اطلالة موجزة على (التقمص) الحلقة الأولى (الفرعونية)

معين العماطوري
معين العماطوري

د. زهير الحلح 

باحث وكاتب سوري

  تمهيد:

شكل الموت الهاجس الأكبر للبشرية منذ أن وجد الانسان على سطح المعمورة وهو مصدر الخوف الأعظم والرعب الجاثم دوما فوق قلوب الأحياء الذين يعتبرونه زوالا وفناء وانتهاء للحياة والاعتقاد بالتقمص دور مهم في تبديد هذه المخاوف والهواجس التي تمتلكنا وتؤرقنا.

ان عقيدة التقمص (عودة الروح) لم تكن وليدة العصور المتأخرة بل هي قديمة قدم التاريخ نفسه وقد آمنت بها الشعوب المتقدمة والأمم السالفة. ان ظاهرة الموت والفناء التام لم يقبل بها العقل البشري فوقف متأملا نهاية الجسم وتلاشيه وعجزه عن الحركة والفعل، وتساءل عن مصير القوة غير المنظورة التي كانت تمده بالحياة وتمنحه النشاط.

تقوم فكرة التقمص على أن الانسان كائن مركب (مؤلف) من مركبين روح وجسد أو ثلاث مركبات روح وجسد ونفس أو خماسي التركيب أو سباعي التركيب كما في المصرية والهندية والثيوصوفيا والكارما.

وبالتعريف هو إعادة الميلاد أو التجسد. وهو المفهوم الفلسفي أو الديني القائل بأن الجوهر الغير مادي (الروح أو النفس) والمادي هو الجسد للكائن الحي يبدأ حياة جديدة في شكل مادي (جسم) مختلف بعد الموت البيولوجي.

ينظر الى الروح على أنها خالدة والشيئ الوحيد الذي يتلف هو الجسد. وكذلك مصطلح التناسخ يعني انتقال الروح من جسد الى اخر بعد الموت وذلك اتماما لتطور الروح والوصول الى الكمال او لتصحيح أخطاء في حيوات سابقة تحقيقا لعدل الله في الأرض أو لإتمام رسالة. 

 وعليه فان معظم الديانات والفلسفات تتفق على أبدية الروح البعض يقول إن الروح تنتقل بعد الموت الى السماء والبعض الاخر يعتقد أنها تحوم حول عرش الله في السماوات أو تسكن في أعماق الأرض، وهناك أيضا من يعتقد أنها لا تغادر الجسد بل تبقى فيه اما في حالة من العذاب والألم واما في حالة من النعيم والراحة وباختصار تعريف التقمص هو تكرار ما في أجساد (بشرية)عديدة وظهوره بها الواحد تلو الاخر فتنتقل عند فناء الجسم الأول الى جسم آخر وهكذا دواليك.

سوف نقوم باستعراض الحضارات والثقافات والديانات والفلسفات التي آمنت بالتقمص والتناسخ حسب التسلسل التاريخي نحلل النصوص المتعلقة ببحثنا لهذا استخدمنا المنهج التاريخي التحليلي.

 الفرعونية:

التقمص في الديانات الفرعونية القديمة وفقا للديانة الفرعونية كانوا يعتقدون في وجود عالم اخر بعد الموت حيث يكون الروحانيون يعيشون في عالم الأرواح تمثلت هذه الاعتقادات في مفهوم الحياة الأبدية والحفاظ على الذات بعد الموت من خلال مفاهيم مثل النجوم والعوالم السماوية.

وعلى الرغم من عدم وجود اعتقاد رسمي في التناسخ في الديانة الفرعونية فقد تم العثور على بعض النصوص المصرية القديمة تشير الى فكرة وجود حياة بعد الموت وفيها اندماج الروح بإله معين أو العودة الى الوجود، ملاحظة كان يوجد أكثر من 1500 آلهة مصرية قديمة 

وحسب المعتقدات المصرية الفرعونية القديمة فإن روح الانسان مكون من 7 أقسام

1 رين (الهوية): هو مصطلح قديم يعني الاسم الذي يطلق على المولود الجديد 

2 سكم (القوة والشكل): وتعني حيوية الشمس.

3 با (الشخصية): وهو كل ما يجعل الانسان فريدا وهو أشبه بمفهوم شخصية الانسان 

4 كا (الجوهر المزدوج أو الحيوي): وهو القوة الدافعة لحياة الانسان وحسب الاعتقاد فإن الموت هو نتيجة مفارقة (كا) للجسد

5 آخ (ساه – الجسد الروحي): وهو بمثابة الشبح الناتج من اتحاد (كا) و (با) بعد الموت، بعد أن أكمل الشخص انتقاله الى الحياة الأخرى بنجاح 

6 آب (القلب): وهو قطرة من قلب الأم 

7 شوت (الظل) أو خيبت (الجسد المادي) وهو ظل الانسان (1) 

ان الآلهة المصرية كانت لا تتقيد قط بهيئة واحدة من أشكال الطبيعة بل كانت في الحقيقة كالإنسان لكل منها روح مثله على هيئة طائر (با) وهو عنصر حي يسكن الجسم مدى الحياة وكذلك كان له قرين (كا) يمثله المصريون على هيئة ذراعين مرفوعين وكانت وظيفة هذا (القرين) أن يمد الجسم المادي بالحياة والقوة ويقف خلفه ليحميه بعد الموت وكان من الضروري وجوده مع الانسان في قبره وإلا مات أبديا. ويمكن التمييز بين القرين (كا) وبين الروح (با) فالأول يسكن مع الجسم في القبر ويمنحه الحياة بالقرابين التي يقدمها أهل المتوفي له أما (با) فهو الروح الذي يصعد الى السماء بعد وفاة الانسان ومن هنا نستطيع القول إن الانسان كان له روح مادية (كا) تسكن معه في القبر وروح نورانية تصعد الى السماء وهي (با). (2)

ويقول المفكر المصري سيد القمني: اعتقد المصريون القدماء بأن أرواحهم دائما ما كانت تبحث عن مقر لاستقرارها أي في مكان لا تفنى فيه ولا تموت مؤمنين بأنه طالما العالم المادي زائل والشر ينتصر دون عدالة لا بد من أن يكون هناك عالم عادل أبدي يقابله يتحقق فيه الخير لذا آمنت كل جوارحهم بأنهم سيبعثون مرة أخرى لحياة ما بعد الموت تخلو من الشرور ويعاقب فيها المسيئ على إساءته ويجازي المحسن على إحسانه (3) 

مراجع فقرة الفراعنة:

(1) الأساطير المصرية: دليل الآلهة والآلهات والتقاليد في مصر القديمة بينش جيرالدين 2004 – مطبعة جامعة اكسفورد   

 (2) من كتاب موسوعة مصر القديمة (الجزء الأول) – سليم حسن – مؤسسة هنداوي – يورك هاوس – بريطانيا – سنة 2019- الطبعة الأساسية سنة1946ص25    

(3) سيد القمني- رب الثورة أوزيريس وعقيدة الخلود في مصر القديمة. المركز المصري للبحوث والحضارة 1999 ص 125

شارك المقال
اترك تعليقا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *