د.إياس الخطيب – روستوف نا دان
كاتب – قاص- روائي عضو اتحاد الكتاب العرب
لا يخفى على أحد أهمية وغنى الأدب الروسي، وانتشاره الواسع في كافة أصقاع العالم، ولم يعرف القارئ العربي أدباً بغنى الأدب الروسي، فما من أحدٍ في البلاد العربية، إلّا وفي مكتبته عشرات الكتب التي صدرت عن دور نشر مختلفة، وأخص هنا دار (التقدّم) في موسكو، وكذلك معارض الكتب التي قامت في بلادنا، وعرفتنا على الاسماء الأدبية الروسية، هذه الاسماء التي لا يمكن أن تزول أو تمحى.
تعود بداية النشر في روسيا إلى القرن الحادي عشر، لكنه ازدهر في القرنين الخامس والسادس عشر. وشهدت نهاية القرن الخامس عشر طباعة أول كتاب بالحروف الكريليكية (الروسية). وظهر أول كتاب روسي مطبوع «كتاب الرسل» في عام 1564، نشره إيفان فيودورف من خلال مطبعة القيصر.
ويجدر بنا الإشارة إلى احتلال روسيا المركز الثالث بـ 8.636 عنوان بعد ألمانيا وفرنسا، لتسبق دولا عتيدة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى.
خلال هذا التاريخ الطويل، كان للشرق العربي ومنتجه الأدبي نصيب كبير من الإصدارات التي قدمت للقارىء الروسي، حيث ترجع بداية العلاقة الثقافية بين روسيا والعالم العربي إلى القرن العاشر الميلادي، من خلال الحجاج الروس زوار الأراضي المقدسة، وقد قدم الرحالة دانييل أول إنتاج أدبي يخص الشرق يندرج تحت أدب الرحلات من خلال كتابه «المسيرة»، والذي لاقى اهتمام القراء الروس، ويعد الكتاب بمثابة وثيقة عظيمة الأهمية أضافت الكثير للأدب الروسي، الذي كان خاليا من مثل هذه الأعمال التي تتحدث عن الشرق بهذه الروعة.
بدأت الترجمة بين العربية والروسية في النصف الأول من القرن التاسع عشر، من خلال المستشرق الروسي اجناتيوس كراتشكوفسكي والشيخ محمد عياد الطنطاوي.
ويعد أجناتيوس كراتسكوفسكي من أبرز من قاموا بترجمة الأدب العربي إلى اللغة الروسية، والذي تولى رئاسة معهد الاستشراق بموسكو، له العديد من الدراسات والأبحاث في مجال دراسات الشرق، ترجم العديد من الكتب إلى اللغة الروسية، أهمها ترجمته للقرآن، كما أشرف على إصدار نسخة «الف ليلة وليلة».
وساهمت الترجمة من العربية إلى الروسية، في تعريف القارئ الروسي على العديد من الاسماء اللامعة في سماء الأدب العربي، مثل: نجيب محفوظ، يوسف إدريس، غسّان كنفاني، محمود درويش، نزار قبّاني.
أيضاّ يعد أليج يافيكين من أهم من ترجم الأدب العربي إلى الأدب الروسي، الذي شغل منصب مدير المركز الثقافي السوفييتي في دمشق.
بالإضافة إلى المترجم والشاعر والمستشرق الروسي ييفجيني دياكونوف، الذي صدر له عام 2013 كتاب بعنوان (لمحات من تاريخ الأدب العربي).
في موسكو صدر مؤخراً كتاب (الأدب الروسي والعالم العربي) بقلم د. إيلميرا علي زاده، الباحثة في معهد الاستشراق في موسكو، يتحدث عن انتشار الأدب الروسي في العالم العربي، مثل: أثر أعمال نيقولاي غوغول في الأقطار العربية، وترجمة أعمال تورجينيف والدراسات حول أدبه، وأثر إبداع تشيخوف في العالم العربي. كذلك تمت ترجمة أعمال تشيخوف وتولستوي ودوستويفسكي من الروسية بجهود خريجي المدارس الروسية في سورية وفلسطين. ونشر بطرس البستاني (1819-1883) في بيروت أول دراسة عن إبداع بوشكين وليرمنتوف وغوغول في سلسلة “دائرة المعارف”.
كما تشير مؤلفة الكتاب، إلى أنّه في عام 1914، نشرت مجلة (الهلال) ترجمة رواية (الجريمة والعقاب) الذي ترجمها سلامة موسى.
في البداية كانت تتم ترجمة الأدب الروسي كأعمال بوشكين وتولستوي وغوركي في دمشق وبغداد والقاهرة من اللغة الانكليزية، وعندما تأسست دور النشر الروسية (والتقدم) و (رادوغا) و (مير) في موسكو، تمت الترجمة من اللغة الروسية مباشرة إلى اللغة العربية، وهذا ما أدى إلى ازدياد إقبال القراء العرب على اقتناء الكتب الروسية المترجمة، وزيادة الاهتمام بالتراث الثقافي الروسي.
وللأسف فإن إغلاق دور النشر المذكورة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي خلق مجدداً فراغاً في تعريف القراء العرب بالأدب الكلاسيكي والمعاصر بروسيا.
تأثّر الكتاب الروس بالثقافة العربية:
الكثير من الأدباء الروس عنوا بالتراث العربي، ومنهم الشاعر المشهور بوشكين، والشاعر ليرمنتوف، الذي ذكر في قصيدة له مدناً ومناطق عربية.
حدّثني يا غصن فلسطين
في أيّ مكان نموتُ وأزهرتَ؟
وأيّةِ ربواتٍ ووهادٍ ازدانت بك؟
هل لاطفتك أشعة الشرق قرب مياه الأردن الصافية؟
أم هزتك الرياحُ الغصوبُ ليلاً في جبال لبنان2
أيضاً تأثّر تولستوي (1828-1910) بالأدب العربي، وذكر عن حبه بالأدب العربي، حتى أنه التحق بجامعة كازان بقسم اللغة العربية، ثم تركها لظروفٍ خاصّة، كذلك فهو أعجب برجالات العرب وزهدهم ووعيهم، والرحمة التي نزلت على قلوبهم والتكافل الاجتماعي فيما بينهم.
إن المجموعة الكاملة لمؤلفات تولستوي تحتوي على مايقارب (40-44) كتاباً يخص التراث العربي، منها ما يتضمن عدداً من الآيات القرآنية الكريمة ومنها ما تحتوي على الحكم والأقوال المأثورة.
ويرى النقاد العرب انعكاسات الأدب العربي بشكل واضح في بعض نتاجاته مثل (قصة في كرويترز) حين يتحدث بطل القصة (بوزدينشف) عن معاناته المستوحاة من رواية (حكاية الملك شهريار) وتأثره أيضاً بتأريخ وادي الرافدين والأساطير البابلية والآشورية القديمة في حكايته المسماة (الملك الآشوري أسرحدون)4
ويمكن القول بأن إطلاع تولستوي على الأدب العربي وإعجابه به ينعكس على ما ترجمه من الأدب العربي إلى الأدب الروسي، إذ انه وضع كتابه (ألف باء) لتدريس أبناء قريته البسطاء في المدرسة التي بناها، وبقية كتب القراءة مستمداً ذلك من حكايات عربية وأقاصيص شعبية مع بعض التعديلات الطفيفة في الأسماء أو إجراء تغيير قليل في الأحداث الجزئية داخل القصة دون إحداث خلل في مجرياتها.
أيضاً تأثّر الشاعر الروسي الكبير بوشكين بالأدب العربي والثقافة العربية، ونلاحظ ذلك في قصائده المختلفة، التي نذكر منها: -1- القصة الشعرية (روسلان ولودميلا)، التي ألفها بوشكين في عام 1920، وواضح تأثير (ألف ليلة وليلة) على بنيتها.
أيضاً نشر بوشكين 9 قصائد وهي (قبسات من القرآن الكريم)، وبستلهم قصائده من عدة سور من القرآن الكريم، فعلى سبيل المثال، استلهم بوشكين القصيدة الخامسة من سورة لقمان، والسورة السادسة من سورة الفتح، والقصيدة التاسعة من سورة البقرة.
كما كتب بوشكين قصة قصيرة بعنوان (الليالي المصرية)، وكان واضحاً تأثر بوشكين في قصص (ألف ليلة وليلة)، وخصوصاً في قصّته الشعرية (أندجيلو) التي كتبها عام 1833. وفي هذا الصدد، نذكر أيضا أنَّ الكاتب الروسي مكسيم غوركي تعرف على (ألف ليلة وليلة)، قرأها وهو في عمر الثانية عشرة من عمره، وهو ما كون وعيه مبكراً على تأثيرات الأدب والثقافة العربية.
وفي النهاية نستطيع القول، بأنّ التأثير والتأثر المتبادل بين الآداب المختلفة، أمرٌ حتمي، بحيث لا نستطيع الزعم بأن أدباً حديثاً، مها بلغت أصالته وعراقته، يخلو من التأثر بآداب أخرى غريبة عليه، وبقدر ما ينفتح أدب قومي على الآداب العالمية الأخرى، بقدر ما تتسع آفاقه، وتتعمّق جذوره.
المصادر:
1- العرب يتذكرون الأدب الروسي…ثـــراء المضمــــون.. وجماليــــة الشـــــــكل، جريدة الثورة السورية، دائرة الثقافة، 11\06\2015.
2- رياح الأدب الروسي تهب على أشرعة العالم العربي، عبدالله حبه، جريدة المدى، العدد 3507، 21\11\2015.
3- مؤثرات الأدب العربي في أدب بوشكين، د ممدوح أبو الوي، شذرات “ملتقى المفكرين والباحثين العرب، 02\03\2012.
4- بين روسيا والشرق العربي.. قراءات في الأدب والثقافة، الدكتور محمد عباس محمد، الدكتورة شادية إمام سلطان، جريدة البيان، 17\07\2011.
5- تأثر الأدب الروسي بالأدب العربي.. تولستوي أنموذجاً، أحمد زكي الزبيدي، شبكة النبأ المعلوماتية، 03\03\2016.