البيوت الريفية في جبل العرب خلال العصر الروماني

مجلة الشمعة
مجلة الشمعة - مجلة الشمعة

بقلم : معين حمد العماطوري

تشكل المنازل الريفية القديمة في جبل العرب دلالة على عمق تجذر تلك الحجارة بالمكان منذ العصور القديمة والتي تعود وفق شكلها الهندسي المعماري إلى العصر الروماني والذي اعتمد على نموذج خاص بالحقبة الزمنية في الشكل والبناء.

التوصيف والنواحي الصحية:

ضمن الرؤية العلمية التاريخية الأثرية لبناء البيوت الريفية القديمة في العصر الروماني في “جبل العرب” يشير الباحث الأثري الدكتور “نشأت كيوان” رئيس دائرة الأثار السويداء سابقاً لموقع الشمعة thecandle بالقول: ترتكز طبيعة البيت الريفي بشكل أساسي على الاستقلالية والاتباع المناسب للقيام بالأعمال اليومية لساكنيه وهنا تبدأ المرحلة والأولى والأهم من بنائه إلا وهي الكشف عن المنطقة الريفية من الناحية الصحية اي ملاءمة موقعه للحياة بشكل جيد وتتناسب ابعاد الفراغات المعمارية في المسكن الريفي حسب المخطط الروماني له مع مجموعة من المعطيات تتلخص في حجم الإنتاج والمزرعة أو الحقل المحيط به وعدد الحيوانات أو القطعان الماشية كالثيران والأنغام والخيول وغيرها، لذلك اعتمد توزيع الغرف في المسكن الريفي على مبادئ أساسية منها وجود المطبخ في الجانب الاكثر دفئا من ساحة البيت كذلك يجب أن تكون حظائر الحيوانات مجاورة له لتكسب دفء المواقد فيه وموجهة نحو الشرق وألا يقل عرض الاسطبلات عن عشرة اقدام ولا يزيد عن خمسة عشر قدما، ويجب أن تكون الحمامات مجاورة للمطبخ وموقع غرفة الزيت من جهة الجنوب لتكون أكثر دفئا لكون الزيت يجب أن يبقى سائلاً ولا يبرد كذلك غرفة المعصرة إن وجدت يجب ألا يقل طولها عن أربعين قدماً، ويجب أن تكون حضارة الحيوانات واسعة وموقع الغلال يجب أن يكون مرتفعاً عن الأرض باتجاه الشمال أو الشمال الشرقي حتى لا ترتفع حرارة الحبوب بسرعة وأن تبقى معتدلة ويفضل أن تبنى مستودعات الحبوب والقش والمخابز بشكل منعزل عن المسكن الريفي درءً لأخطار الحريق أن حصل.

الرأي المعماري الأثري:

أوضح الباحث الأثري الدكتور “نشات كيوان” أنه في دراسة أثرية معمارية لعدد من المساكن الريفية في “جبل العرب” التي تؤرخ بالعصر الروماني نلاحظ تقارب مع هذه النسب التي ذكرناها أعلاه فقد تمت دراسة مساكن رومانية وبيزنطية في منطقة حوران ككل ومن ضمنها جبل العرب ومنطقة “اللجاة” ومدى تأثيرها على نمط حياة السكان وعلى الفن المعماري للمساكن القروية مع التنويه إلى قدم عمارة المنطقة منذ الألف العشر قبل الميلاد في قرية “القراصة” مرورا بالألف الرابعة لكن هنا سنركز على فترة محددة ألا وهي الرومانية وفيها حصل عدد من سكان المنطقة بالإضافة إلى العسكريين وخصوصا المتقاعدين منهم والموظفين الرومان المستوطنين الذين أتوا للمنطقة بدءا من القرن الثاني الميلادي والذين استفادوا من توزيع الاراضي وساهموا بتشييد هذه المساكن حتى أنها تطورت في مدينة شهبا على سبيل المثال لتصبح على نمط الفيلا الرومانية الواسعة والتي تحتوي على فراغات معمارية وزخارف ولوحات فسيفساء، وقد ساهم الرحالة وعلماء الآثار والمعماريون الأجانب الذين زاروا المنطقة في توثيق عدد من هذه المساكن الريفية امثال “بوركهاردت وويليام جون بانكس” الذي قدم بين عامي 1816-1818 واهتم بالعمارة السكنية بشكل اقرب للمهنية، وكذلك الالمانيان “ويتزستين وشوماخر” وكذلك الكونت الفرنسي “ميلكيور دو فوغييه” 1861-1862 والالمانيان “برونو ودمازيوسكي”.

البحث والتنقيب:

وتابع بالقول ثم قامت بعثة جامعة “برنستون” الأمريكية برئاسة “بتلر” بتوثيق عدد من المواقع والمباني السكنية القروية وصولا إلى البعثات الوطنية الألمانية والفرنسية في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي وغيرهم من الباحثين الذين درسوا عدد من المساكن في قرى “ام الزيتون والعين وذكير وشهبا مجدل الشور في جبل العرب” وهنا تمت دراسة عناصر العمارة السكنية من الجدران والاسقف والمواد المستخدمة والأبواب والاقواس والإدراج والتصميم المعماري كوحدات معمارية مؤلفة من القاعة الرئيسة وعرفها الملحقة.

الشكل المعماري:

ونوه د. كيوان أنه يوجد مساكن مؤلفة من وحدتين معماريتين منتظمتين الوحدة العلوية عبارة عن شقة خاصة بصاحب المسكن وعائلته وسفلية وهو قسم الخدمات والاسطبلات والمطبخ وغرف المؤونة، كذلك توجد في المساكن الريفية قاعات استقبال محمولة سقوفها على قناطر “اقواس” وتوجد فرات للمساكن منها ما هو مكرس لتربية الماشية فقط ومساكن مختلطة كما تحوي هذه المساكن على زخارف معمارية وخصوصا على سواكف الابواب وأطر النوافذ.

ميزات العصر الروماني:

وأشار الباحث الأثري “خلدون الشمعة” الذي اعد دراسات عن العصور الرومانية أنه من خلال دراسة عينات من المساكن الريفية في حوران المؤرخة بالعصر الروماني تم تكوين نظرة وعامة وواضحة عن ميزاتها مثل الاتقان في بنائها والغنى الكبير بزخارفها وهذا يدل على ثراء ساكنيها، كما أن غرف هذه المساكن تقوم حول فناء مغلق كليا وهذه الخاصية تتميز بها بشكل عام العمارة القروية الخاصة بمنطقة حوض البحر المتوسط وهذا الأمر استمر حتى العصور الحديثة وحتى فترات ليست ببعيدة عنا من حيث قيام أجدادنا في القرن الماضي ببناء مشابهات لها.

وأشار الباحث “الشمعة” أنه تم استخدام تقنية القوس الداعم الذي حل محل تقنية الدعامة المركزية المستخدمة منذ الألف الثاني قبل الميلاد على أقل تقدير وقد بلغت مساحات بعض البيوت السكنية الريفية بين 400 إلى 1700 متر مربع.

شارك المقال
تعليق 1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *