الدكتور زهير الحلح
كاتب وباحث
أولاً- اليهودية:
لقد ورد في التوراة العديد من الآيات التي تثبت حقيقة التقمص تلميحا قال النبي سليمان الحكيم في سفر الجامعة بالنص (دور يمضي ودور يجئ والأرض قائمة الى الأبد والشمس تشرق والشمس تغرب وتسرع الى موضعها حيث تشرق. الريح تذهب الى الجنوب وتدور الى الشمال تذهب دورانا والى مدارتها وترجع الريح كل الأنهار تجري الى البحر ليس بملآن الى المكان الذي جرت منه الأنهار الى هناك تذهب راجعة… لا أحد يستطيع أن يقول إن العين لم ترى كفايتها أو أن الأذن لم تسمع كفايتها ما كان فهو يكون والذي صنع فهو يصنع فليس تحت الشمس جديد وإن وجد شيء يقال عنه أنظر هذا جديد فهو من زمان كان في الدهور التي كانت قبلنا).
هذا القول هو تأكيد واضح على أن كل شيء يتبع نظام الدائرة والحياة والموت غير مستثنيين ود الأشياء التي عنتها التوراة هنا ليس فقط الأشياء المادية و الاعراض التي تفنى و تزول وتتزايد وتتناقص انما عنت الجواهر الأزلية الخالدة و منها النفوس التي تتقمص الاجسام لا يزاد عليها ولا وينقص منها فجوهر التقمص اذا منصوص عليه في التوراة ، (الأشياء هي الوجود بالقوة والصورة + الهيولي بالوجود بالفعل) فعندما يقول شخص ما أنا فهو يقصد اجتماع الجسد و الروح و النفس في هذه الكلمة الأنا في صميمها وجود قلق منفعل يحمل في ثنايا العقل و النفس و الشعور الخافية و الوعي و اللاوعي. هو وجود لا يدرك ذاته بذاته، وعلى الرغم من ان الأنا تعي ذاتها إنما هي مهيأة ومزودة بطاقة الفهم والإدراك وهذا يعني انها تشتمل على النفس والعقل لذا تسعى الأنا على فهم ذاتها. وقد جاء المزمور تسعين: يا رب ملجأ كنت لنا في دور فدور من قبل أن تولد الجبال أو أبدأت الأرض والسكونة منذ الأزل الى الأبد أنت الله ترجع الانسان الى الغبار وتقول ارجعوا يا بني آدم لأن ألف سنة من عينيك مثل يوم أمس بعدما عبروا كهزيع من الليل جرفتهم كسنة يكونون بالغداة كشعب يزول. وهذا يشبه ما ورد في الأمثال (أصحاح8 – عدد 22 – 33)
الذي يعتبر الكتاب المركزي في تفسير التوراة فإن الروح تنقسم الى 3 أقسام: Kabbalah استنادا الى كتاب كبالا هي الطبقة السفلى من الروح وترتبط بغرائز الانسان الجسدية وهو موجود منذ لحظة الولادةNefeshنفيش
وهي الطبقة الوسطى من الروح والمسؤولة عن التمييز بين الخير والشر ونظيم المبادئ الأخلاقية Ruach روخ وهي الطبقة العليا من الروح وهي المسؤولة عن تمييز الانسان بقية الكائنات الحية Neshamah نيشامة
ثانياً- المسيحية:
تنكر المسيحية لعقيدة التقمص على الأقل بمذاهبها الثلاثة الكبيرة الكاثوليكية والأرثوذكسية والبروتستانتية أما في البدايات الأولى للمسيحية فقد كانت عقيدة التقمص ركنا من أركان الدين ثم أغفل الأخذ بهذه العقيدة لما فيها من إهمال لدور الكهنة في الحياة.
إن فكرة التقمص تتناقض مع مختلف العقائد المسيحية عن الحياة الاخروية كقيامة الجسد مثلاً، أو تتناقص مع المبادئ المسيحية لأن الفصل بين شقاء الانسان وسعادته يكون في هذه الحياة الأرضية الوحيدة التي نعيشها، والتي تنتقل الروح بعدها مباشرة إلى السماء الأبدية، أو الى الجحيم الأبدي. وهي إلى جانب ذلك تتضمن الآراء التي أدانتها الكنيسة مثل “استقلال الروح عن الجسد ” أو اسبقية وجود الروح على الجسد.
ففي عام 543 وبضغط من القيصر الروماني (جوستينيان) تمت الدعوة الى عقد سينودس للكنائس الشرقية وكان هدفه المعلن هو القضاء على جميع الفوارق المتراكمة منذ عام 300 وكان أوطأ التحريم الحاسم المتعلق بفكرة التقمص ولعن كل من يقول به بعد التصويت حصل المعارضين على 520 صوت والموافقين على قضية التقمص 480 صوت وعلى هذا منع التقمص وحذف من العقيدة المسيحية. ونلاحظ من نسبة الموافقين أن عقيدة التقمص كانت موجودة بالمسيحية وأن هناك نصوص تشير الى التقمص فمثلا جاء في الإنجيل في الإصحاح الثاني والعشرين (31 – 36):
وأما من جهة قيام الأموات أفما قرأتم ما قيل لكم من قبل الله القائل أنا إله إبراهيم وإله يعقوب وإله إسحق ليس الله إله أموات بل إله أحياء فلما سمع الجموع بهتوا من تعليمه (أي تعليم السيد المسيح)
الحق أقول لكم أنه لم يقم في مواليد النساء أعظم من يوحنا المعمدان.. وإذا أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيليا المزمع أن يأتي من له أذنان للسمع فليسمع (متى 11)
وسأله التلاميذ قائلين: لماذا تقول الكتبة إن إيليا ينبغي أن يأتي أولا وأقول لكم إيليا قد جاء ولكنهم لم يعرفوه بل صنعوا به كل ما أرادوا هكذا ابن البشر أيضا مزمع أن يتألم منه حينئذ فهم التلاميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان <متى 17> (يفهم من ذلك بوضوح أن الظهور النبوي بقميص اليا كان قبل ظهوره بقميص يوحنا بنحو 800عام)
قال يسوع لنيقوديموس: الحق الحق أقول لكم لن يرى ملكوت أبي ما لم يولد من بطن أمه مرتين. وان لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تتدخلوا ملكوت السماوات وكيف يمكن لإنسان أن يولد وهو شيخ؟
أ لعله يقدر أن يدخل بطن أمه ثانية ويولد؟ أجاب يسوع وقال:<< الحق أقول لك أننا نتكلم ونعلم ونشهد بما رأينا ولستم تقبلون شهادتنا >> يوحنا 3
وجاء في رسالة بولس الرسول الى أهل رومة فصل 8 عدد11:”أين نستودع هذه النفس بعد الموت في مهلة الانتظار؟ أفي مطهرها؟ وأي مطهر أولى بها من الجسد؟ أم في خفاء مكتوم يفتح سجله يوم الدينونة، بعد انطوائه في الدهر الطويل بانتظار فتحه الأخير؟”.
ومن جهة أخرى نجد أن فكرة التقمص أحد العقائد الأساسية في المسيحية ويعتبر المركز الحيوي للعقيدة المسيحية لكن مفهوم التقمص بهذه الحالة هو أن الله أخذ شخصية بشرية من خلال يسوع المسيح الذي يعتبرونه ابن الله. وبعتبرون يسوع المسيح دمجا فريدا بين الطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية وبموجب هذا المعتقد يعتبر المسيحيون أن يسوع المسيح هو الوسيط الوحيد بين الإنسان والله وأنه جاء ليخلص البشرية من خطاياها ويوفر لهم الخلاص الروحي.
فالتقمص بهذا المفهوم له أهمية كبيرة في فهم العلاقة بين الله والبشر ويعتبر محورا أساسيا في التعاليم المسيحية حول الفداء والخلاص. بموجب هذه العقيدة يعتبر المسيحيون يسوع المسيح كمنقذهم وأملهم ويؤمنون بأنه منحهم الفرصة للخلاص والحياة الأبدية من خلال موته وقيامه.