الحلقة السادسة من اطلالة على التقمص عند الإسلامية

معين العماطوري
معين العماطوري

الدكتور زهير الحلح

كاتب وباحث

الإسلامية:

للإسلام رأي واضح في الروح والنفس والخلود والبعث والحساب ويوم القيامة. وقد جاء في القرآن أكثر من ستين آية تتحدث عن هذه المواضيع وعلى سبيل المثال” يسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم الا قليلا” (سورة الإسراء آية 58)

وهم ينفون مسألة التقمص أو التناسخ نفيا قاطعا ويعتبرون من يؤمن بها كافرا وخارج عن الديانة الإسلامية. لكن معظم ما يسمى المذاهب الإسلامية الباطنية يؤمنون بالتقمص والتناسخ بأشكال مختلفة وسوف نتناول بالبحث عن مفهوم التقمص والتناسخ لديهم.

الجناحية:

تعتبر الجناحية من الفرق الأوائل في الإسلامي التي آمنت بالتناسخ ويظهر من أبحاث بعض المؤرخين ان هذه الفرقة قد اعتقدت بالنسخ والمسخ فتحدثت عن مسخ عام يطال أرواح كل من المؤمنين والكفرة. فتجعل صور الحيوانات والمحببة والأليفة مسكنا للأرواح الخيرة وصور الحيوانات المشوهة م قاما للشريرة مكنها. ومؤسس هذه الفرقة عبد الله بن الحارث الذي خرج بفكة التناسخ والأظلة وأقام عقيدته هذه على مدلول الآية ” يا أيها الانسان ما غرك بربك الكريم* الذي خلقك فسواك فعدلك* في أي صورة ما شاء ركبك* ” (سورة فاطر. الآيات 6-7-8). تدور الفكرة في أجساد الحيوانات المشوهة والمؤمنون يمتحنون بتركيبه في أبدان دواب النزهة لكيلا يدخلهم العجب فتزول طاعتهم. ولا يعني التناسخ بقاء الروح في بدن إنساني أو حيواني و إنما هو الدور بالتناوب (1) و حول انتقال الروح في أجسام بحسب قربها وبعدها عن الخير ، فالكفار يطول تجسدهم في أجساد الحيوانات المشوهة و قد نقل لنا كتاب ( ” نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام”) نص للنوبختي يتحدث بالتفصيل عن تصور هذه الفرقة للتناسخ و يتضح أن الغاية منه ليس التطهير و إنما هو مجال للامتحان و الأخ تبار فيقول ” و الجناحية أصحاب عبدالله بن معاوية … لم يتجاوب معه أهل الكوفة فأقام في بلاد فارس و من آرائهم أ الثواب و العقاب في الأشخاص و ان التناسخ يكون في الدنيا و العقاب في هذه الأشخاص إما بني ادم أو حيوانات ويشرح فكرة التناسخ و الأدلة و الدور عند الجناحية و هي صدى للغنوصية الفارسية و هو أن كل دور في الأبدان الإنسية فالمؤمنين خاصة يتحولون الى دواب النزهة فيكونون لمواكب الملوك و الخلفاء وذلك على قدر إيمانهم و طاعتهم لأئمتهم فيحسن اليها أصحابها في علفها و عليها بالدباج و غيره من السروج المحلاة و أما من لم يتسم بإيمانه الى إيمان المؤمنين فيكون في دواب لأوساط الناس و الأعوام و تمكث الأرواح في هذا الانتقال ألف سنة ثم تحول ثانية الى الأبدان الأنسية عشرة آلاف سنة و هذا امتحان لها كي لا يدخلهم العجب فتزول طاعتها لأئمتها أما الكفار و المشركون و المنافقون و العصاة فينقلون في الأبدان المشوهة عشرة آلاف سنة ما بين الفيل و الجمل الى البقة الصغيرة (2)

المخمسة:

جاءت المخمسة بعد الجناحية تركز على مبدأ التناسخ و تعدل في أصوله و تبدل في أحكامه و تحور في أهدافه و توسع دائرته لتشمل النسخ و المسخ و الفسخ و الرسخ و تصيح الغاية منه التطهير و إرساء قوانين العدالة بمجازاة من أحسن عملا و عقاب من أساء قولا و فعلا فقد آمنت المخمسة بالتناسخ فيما يقول القمة: ” فأرواح الجاحدين تنقلب في جميع الصور الإنسانية و غير الإنسانية ينقلبون في كل شيء حتى لا يبقى من السموات و الأرضيين دواب و لا ساكن و لا متحرك الا جرت فيه الأرواح حتى النجوم و الكواكب فإذا تم ذلك كله صاروا جمادا أو حجرة أو حديد… أما المؤمن العارف منهم فلا تنتقل روحه في شيء بين الأشياء إنما يلبس شيعة أبدان هي في منزلة سبعة أقمصة اذا تعرى من قميص يتقمص في اخر و ذلك ان الايمان سبع درجات او سبع أدوار و الدور عشرة آلاف سنة و الكور سبعة أدوار … يقمص في كل دور قميصا أو قالبا غير القالب الأول و من الدرجة السابعة يكون الارتقاء الى معرفة الغاية فيكشف له في نهاية الدور الغطاء فيصير عارفا ويرفع عنه التلبيس فيدرك الله محمدا بذاته بالنورانية لا بالبشرانية اللحمانية”(3)

الخرمية:

وظهرت في خرسان من بلاد فارس فرقة لأبو مسيلمة فاعتقدت بانتقال الأرواح من جسد الى جسد وجعلت رفعة الروح أو انحطاطها في القالب الجديد متوقف على ما تقدمه من أعمال وما تحمله من نيات في الحياة السابقة وبهذا يكمن عقابها وجزاءها وبالتالي سرورها أو عذابها ففي البدن تنال الروح ثوابها وبه أيضا تتلقى قصاصها. ولم يشر النوبختي الذي نقل الينا أفكار هذه الفرقة ما إذا كان البدن هنا بشريا أم غيره و قد تحركت الفرقة في خرسان على يد الخرمية و يرى النوبختي أن الخرمية ” تكلمت في الأدلة و التناسخ و الدور في هذه الدار و فسروا القيامة بأن خروج الروح من البدن و دخوله في بدن اخر غيره إن خيرا فخير وان شرا فشر و أنهم مسرورون في هذه الأبدان أو معذبون فيها و إن الأبدان هي الجنات و هي النار فلا قيامة ولا بعث ولا جنة و لا نار غير هذا على قدر أعمالهم و ذنوبهم و إنكارهم لأئمتهم و معصيتهم لهم فإنما تسقط الأبدان و تخرب اذا هي مساكنهم فتتلاشى الأبدان و ترجع الروح في قالب اخر فتنعم أو تعذب “(4)

إخوان الصفا:

لقد دمج إخوان الصفا في حركتهم الفلسفة بالدين و يخلطون بين ما كتبه و أفلاطون و ما توصلت إليه الحركات الدينية المتطرفة من أفكار و آراء ولما كان الأصلان اللذان اعتمد عليهما إخوان الصفا في ترتيب شؤون فلسفتهم ممن يعتقدون بالتناسخ فقد ساروا في نفس الاتجاه و غزت رسائلهم التعابير و النصوص التي تدل على إيمان ثابت بانتقال الروح في الأجساد المختلفة لتتحقق عدالة الله في خلقه و لكي يتاح أمام الانسان سبيل يمكنه بواسطتها أن يطهر نفسه ويخلصها من الآثام و يحرره من ربقة الجسد فتعود الى عالمها وتتحد بالجواهر النورانية ويرى إخوان الصفا أن منزلة الانسان المتوسطة بين عالمين عالم الأفلاك و السماء و عالم الكون و الفساد و قد أعطته فرصة إما بالارتقاء إلى أعلى وإما التدني الى أسفل و مجاراة الحيوان و المادة في تقلباتها و سوء معيشتها .” إن صورة الإنسانية منزلة ثالثة وأنها السراط المحدود بين الجنة والنار عن يمينه الجنة عالم الأفلاك وأطبقاء السماوات والنار عن شماله محل الأجسام ودار الآلام ومجاورة النيات والحيوان الصامت عن الكلام المعذب بأنواع العذاب والآلام ” (5)

و توضح رسائلهم الكيفية التي تسطيع النفس بواسطتها من بلوغ مرتبة الكمال و تحقيق سعادتها بالعودة الى عالمها النوراني و تبين أنواع الأخطاء التي تقترفها فتستحق من جرائها العقاب و الانخراط في زمرة الشياطين و سجنها في عالم الأجساد كلما فني جسد قامت في اخر غافلة و متألمة فإذا ” سارعت الى طاعة ربها قربة و استغفارا بلا اصغار و لا استكبار فعند ذلك يكون رجوعها الى محلها النوراني أو قرارها الحيواني و متى غفلت و استكبرت عن قبول أوامر الأنبياء و المرسلين و ما آتوا به من الآيات و البراهين بقيت معكوسة في أشخاصها المنكوسة و قوالبها المنحوسة لا يخفف عنهم العذاب لا أسلفت و عن الإقرار لباريها تخلفت و عن اللحوق بعالمها وقفت في دار البلاء و محل الشقاء “(6) “

وإن هي تمادت في جهالتها وقويت عليها أمراضها وأعلالها وتزايدت عليها أسقامها هلكت وانقطعت عن اللحوق بعالمها وأثقلتها أعمالها القبيحة وأحاطت بيها سيئات ما عملت وقبائح وما ارتكبت وصارت شيطانا مريدا وانقلبت في أسوء منقلب وعادت أقبح معاد والاتحاد بالأجساد في عالم الآلام ومحل المصائب والأسقام”(7)

هذه النفوس الهالكة تتعرض لكل أنواع التناسخ فتمسخ في الحيوان أو ترسخ في الجماد ويؤكد إخوان الصف آرائهم بالاستشهاد بالآيات القرآنية فبسبب مخالفتها للأوامر والأحكام الإلهية وانصياعها لرغباتها وشهواتها يحل على الأشخاص القائمة فيهم غضب الله   وتطالهم نقمته فقال سبحانه ” وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت” (سورة المائدة الآية 60) ومنهم من قيل لهم ” كونوا قردة خاسئين” (سورة البقرة آية 65) وكذلك قال ” كونوا حجرة أو حديدا “ (سورة الإسراء آية50)

وحظيت رسائل إخوان الصفا باحترام وتقدير كبيرين كمن قبل جميع الرجال الذين كرسوا أنفسهم لوضع أسس جديدة وتصورات مبتكرة لأديان ومذاهب أنشأوها فكانت أفكارهم منتشرة في الشرق والغرب ورسائلهم لا يستغنى عن الاحتفاظ بها والاطلاع عليها كل راغب في تثقيف نفسه وتزويدها بالعلم والمعرفة. يقول البروفيسور ماكدونالد في كتابه اللاهوت الإسلامي “حينما استولى المغول على قلعة الموت التي كان يحكمها حسن الصباح وجدوها غنية برسائل إخوان الصفا مما يدل على الصلة بين تعاليم إخوان الصفا والإسماعيلية والدروز. إن أوجه الشبه بينها عديدة مها تنظيم جماعتهم، إيفاد دعاتهم، الوصايا التي يزود بها الدعاة من حيث قبول المستجيبين والعطف عليهم والتدرج في الاطلاع على الأسرار وكتمانها، ألفاظهم الرمزية، تقديس الأديان كلها، تفسير آياتها باطنيا، عقيدة التقمص، فلسفة القدر والتخيير، الحدود وخلق الوجود والعقاب والثواب (8)

مراجع الاسلامية:

 1- الصلة بين التصوف والتشيع ج 1 – كامل مصطفى الشيبي –دار الأندلس-ط3 1982. ص 143 – 144

2- فرق الشيعة – النوبختي – نقلا عن نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام – ص 39 – 41

3- كتاب المقالات – أبو خلق القمي – نقلا عن نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام ج2 – ص 97 -98

4- نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام ج2 – علي سامي النشار-دار المعارف بمصر-ط7- 1977 ص252

5- الرسالة الجامعة إخوان الصفا – تحقيق مصطفى غالب-دار الأندلس -1985ص 258

6- مصدر سابق – ص 146

7- مصدر سابق – ص 426

8 – مذهب الدروز والتوحيد – عبد الله النجار – بيروت ص 48

شارك المقال
اترك تعليقا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *