د. زهير الحلح
مقدمة:
يتمثَّل الحوارُ، الذي يتحقق بين الإنسان وبين نفسه – على مستوى تبرير اليقين في أحكامه ومعتقداته– أولاً، وبينه وبين الآخر، أيًّا كان هذا “الآخر”، – على مستوى الاعتراف به وقبوله – ثانيًّا، في ضرورة تأسيس بنية عقلية منفتحة، “مكوِّنة” وواعية، تصلح لإجراء تفاهُم معمق وواعٍ يهدف إلى إرساء قواعد ثابتة لإقامة مجتمع إنساني تتكامل أبعادُه العديدة والمتنوعة في المحبة والتسامح والوعي والحكمة والسلام والطمأنينة والازدهار، بحيث يتجاوز الأطُرَ المحدودةَ والمناهجَ أحاديةَ البُعد التي أشرطتِ الفكرَ والنفسَ والروح، فحالت دون تفتُّح الوجود الإنساني وتطويره والسموِّ به إلى مستويات مثالية، وأدت إلى عدم تحقيق المغزى الإنساني المضمون والكامن في الحياة على مستوى الواقع الطبيعي والاجتماعي ، وإلى إسقاط القيمة والمعنى المتأصلين في هذا المستوى.
أولا- تعريف الحوار وهدفه:
الحوار شكلٌ من أشكال التواصل الشفهي، فهو عبارة عن تبادل لأطراف الحديث بين شخصين أو أكثر بهدف الوصول إلى حقيقة ما، والدخول في الحوار وسيلة فعالة للتأثير بالآخرين فمن خلاله يمكن نشر الوعي والثقة والمحبة، التعرف على الاتجاهات والميول أو التغيير فيها من خلال الإقناع دون إثارة الحقد والجدل، إرشاد الناس إلى مصالحهم، الوصول إلى الحلول والتفاهم عند وقوع الخلافات، والتعرف إلى طريقة تفكير الآخرين واكتساب بعض خبراتهم.
ثانيا- أسس الحوار:
إن الحوار القائم على أسُس عقلية ونفسية وروحية، واعية وسامية، يسعى إلى تقريب وجهات النظر وعلى معرفة الطريق المؤدي إلى التفاهم والتلاقي مع الآخر على أساس الاعتراف بالتنوع المتأصل في جوهر المبادئ الإنسانية والمبادئ الطبيعية التي أبدعَها الوعيُ وهدف إلى تحقيق تأليفٍ بينها يشير إلى تكاملها وتآلُفها وتألقها في حقيقة واحدة سامية.
في سبيل هذا التحقيق، أود أن أورِدَ سبعة نقاط متصلة بالحوار الذي يؤدي إلى التلاقي ضمن نطاق الاعتراف بالآخر والقبول به:
1-المحبة، التي تتجاوز مركزية الأنا، هي السبيل الأول والحقيقي للحوار والأسلوب الذي يشير إلى التسامح العقلي والروحي، الذي يشير، بدوره، إلى الإصغاء التام الهادئ، ومن ثم إلى الفهم الكامل لما يقدِّمه الآخر. ففي المحبة أفهم ما يقوله غيري وما يفكر فيه فهمًا يجعلني أتلاقى معه في نطاق الوعي والحكمة
2-العقل المنفتح والقلب المنفتح، اللذان يعتمدان الحوار الواعي، غير المتحيِّز، ويتجاوزان انفعالاتِ وإشراطات “العقل المكوَّن”، المحتجَز في قوقعة الأنا المغلقة، والقلب العالق في نسيج الحب الانفعالي الملحَق بعنصرية “الأنا الجمعية” المتصلبة.
3- العقل المكوِّن الذي يعيد النظر في موروثات الماضي المتصلبة، متحررًا من القيود التي فرضتْها التفاسير الحرفية والاجتهادات العمودية، الراسخة في زمانها ومكانها، متجاوزًا إياها إلى عقلانية–روحانية تتأمل الرمز وتستغرق جوهر المعنى والمضمون
4- الاعتراف بأن جميع الحضارات والثقافات والأديان روافد تصب في نهر الإنسانية الواسع الذي هو كتاب الأبدية وسجلُّ تاريخ الروح على الأرض.
5- الإرشاد الحكيم الذي يشير إلى استبعاد توطيد أسُس “القطب الواحد” في نطاق معرفة الحقيقة المطلقة، بمعنى امتلاكها واحتكارها وحرمان الآخر من هذه المعرفة.
6-السعي إلى عقد حوار يقوم على “عقلانية روحية” يتميز بها أهل العرفان .
7-كما أن الناس يختلفون فيما بينهم في صدد القضايا الروحية، كذلك يختلفون في صدد القضايا الأخرى، اقتصاديةً كانت أم اجتماعية أم سياسية أم علمية أم فكرية الخ. فما من قضية إلا ويدور الخلافُ أو الاختلافُ حولها. والحق أن هذا الخلاف أو الاختلاف يُعَد أمرًا طبيعيًّا بسبب وجود التنوع، ولا يُحَلُّ إلا بالحوار
شروط الحوار:
الأمر القائم في الحياة أن الإنسان يتحدث ويحاور بالفعل، ولا يكاد يخرج من حديث أو حوار إلا ويخوض في آخر، فالإنسان اجتماعي بطبيعته، و للنجاح في إدارة أي حوار منذ بدايته، وحتى يكون فعال ومفيد يلزم معرفة ما هي شروط الحوار وقواعده والالتزام بها، وهي كالآتي:
1-الاحترام من أفضل الصفات والأخلاق التي يمكن أن يتصف بها المرء، وهو أساس التعامل بين الناس.
2- تحديد الموضوع الرئيس للحوار والهدف منه، مما يساعد في كسب الوقت من أجل الوصول إلى النتيجة المرادة من الحوار.
3- الموضوعية في الحوار، حيث يتم الحوار على أساس الموضوع وليس بناءً على الشخص المحاور أو شخصيته، كما يجب عليه تجنب الكذب، والتوثيق العلمي والبعد عن الميول.
4- استخدام لغة واضحة مفهومة وقوية. يجب أن يكون الحوار هادف، والغرض منه التوصل إلى الحقائق.
5- التزام الهدوء وضبط النفس. حسن الاستماع وعدم الاستعجال في الرد، فالمستمع الجيد محاور جيد.
6- اختيار المكان والزمان والشخص المناسب.
شروط المحاور:
1-البعد عن الغرور والتكبر وعدم تجاهل آراء الآخرين، أو التعصب للرأي الشخصي.
2- أن يكون المحاور صاحب فكر ووجهة نظر مستقل ومنفرد بشخصيته بعيد عن التقليد.
3- سرعة البديهة وقادر على الرد وعلى التعامل مع المواقف بحنكة.
4- اللباقة بالكلام، واستخدام الكلمات المناسبة للرد على الأسئلة أو الآراء المطروحة.
5- تقديم الأدلة والبراهين من أجل إثبات الحقائق.
خصائص البيئة الداعمة للحوار:
بعد معرفة ما هي شروط الحوار يمكن القول بأن تحقق هذه الشروط لا يمكن أن يكون ناجح ومؤثر إذا ما توفرت بيئة مناسبة داعمة له، فتعد بيئة الحوار هي المحيط الداعم من النواحي النفسية والاجتماعية والحسية للحوار، كما أنها المساعد والمساند لبناء حوار صحيح وفعال، ومن الخصائص التي يجب أن تتوفر في هذه البيئة: الإيمان بحرية الرأي المسؤولة، شعور المحاور فيها بالأمان النفسي والحسي، تقدير الاختلاف في وجهات النظر، والأهم تقدير التراجع عن الخطأ وتقبل التغيير في وجهات النظر.