الكاتب والإعلامي حسين الإبراهيم
تواجه الدولة المعاصرة تحديًا خطيرًا يتمثل في خطر التحول إلى نموذج يشبه الشركة، حيث تصبح المؤسسات العامة أدوات لتحقيق الربح وتُختزل العلاقة بين المواطن والدولة إلى علاقة زبون ومزوّد خدمة. هذا التحول يهدد جوهر الدولة ككيان سياسي واجتماعي يعبّر عن الإرادة الجمعية لمواطنيه، ويضمن العدالة والاستقرار والتماسك الاجتماعي. وللخروج من هذا المأزق، لا بد من قراءة معمقة لوظيفة الدولة، ومراجعة السياسات والممارسات التي قد تدفعها نحو هذا النموذج، والعمل على تحصينها من خلال مجموعة من التدابير المتكاملة.
في العصر الحديث، تتجه بعض الدول نحو اعتماد نماذج إدارية تُشبه إدارة الشركات، حيث تركز على الكفاءة، الربحية، والإنتاجية. هذا التحول قد يبدو جذابًا من حيث تحسين الأداء الإداري، لكنه يحمل في طياته مخاطر جوهرية تتعلق بوظيفة الدولة كمؤسسة تخدم المجتمع، لا كمجرد كيان اقتصادي.
الدولة في جوهرها تُبنى على مفهوم المواطنة، حيث يتمتع الأفراد بحقوق سياسية واجتماعية، ويساهمون في صياغة مستقبلهم من خلال المشاركة الديمقراطية. أما الشركة، فهي تقوم على الربح وتقديم الخدمات مقابل الدفع، حيث يُعامل الأفراد كزبائن أو موظفين دون امتيازات المواطنة الفعلية. عندما تتبنى الدولة منطق الشركة، قد يتقلص دور المواطن ليصبح مجرد مستهلك، مما يُضعف الانتماء الوطني ويؤدي إلى تآكل العقد الاجتماعي.
لذلك، لا بد أن تبقى الدولة وفية لوظيفتها الأساسية كمُحرك للمجتمع، توفر العدالة الاجتماعية، تحمي الحقوق، وتعزز الهوية الوطنية. فالدولة ليست مجرد خدمة تُباع أو تُشترى، بل هي كيان يُبنى بالمشاركة والتفاعل، لضمان استقرار مستدام يُلبي تطلعات جميع أفراد المجتمع.
تعزيز المواطنة والمشاركة في صنع القرار
أولى خطوات تحصين منظومة الدولة تبدأ بتعزيز مفهوم المواطنة بوصفها حجر الأساس في بناء مجتمع متماسك، حيث لا يُعامل المواطن كزبون يتلقى الخدمات مقابل الضرائب والرسوم، بل كشريك فعلي في صياغة مستقبل بلاده. الدولة ليست مجرد مؤسسة تقدم خدمات، بل فضاء جامع يكرّس قيم العدالة الاجتماعية والمشاركة الفعالة في القرار السياسي، مما يضمن شعور المواطن بالانتماء والمسؤولية الوطنية.
لتحقيق ذلك، يجب تمكين المواطنين من أدوات الرقابة والمساءلة عبر آليات ديمقراطية واضحة، مثل تفعيل دور المجالس المنتخبة وإتاحة منصات التعبير الحر. يمكن الاستفادة من تجارب دول مثل السويد، حيث يتمتع المواطنون بإمكانية التأثير المباشر على السياسات عبر الاستفتاءات العامة، مما يعزز الإحساس بالمواطنة الفاعلة.
كذلك، يجب توسيع دائرة المشاركة في الحياة العامة، سواء عبر إشراك المجتمع المدني في صياغة السياسات أو تمكين الشباب من لعب دور قيادي في المبادرات الوطنية، كما هو الحال في ألمانيا التي تخصص برامج حكومية لدعم مشاركة الشباب في العمل السياسي والاجتماعي.
غياب هذه المشاركة يحوّل المواطن إلى متلقٍ سلبي، ويعزز النزعة البيروقراطية في المؤسسات، مما يؤدي إلى تهميش الأفراد وتحويلهم إلى مجرد أرقام في قاعدة بيانات. لذلك، فإن تحصين الدولة يبدأ من إرساء مبادئ المواطنة الحقيقية، حيث يشعر الجميع بأنهم جزء من مشروع وطني مشترك، وليسوا مجرد مستهلكين في سوق خدمات حكومي.
إصلاح الهيكل الإداري: الكفاءة في خدمة العدالة
أما على المستوى الإداري، فينبغي إصلاح الهياكل الحكومية بما يحقق التوازن بين الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية. صحيح أن تحسين الأداء مطلب ضروري، لكن الخطورة تكمن في استيراد منطق السوق بشكل أعمى، بحيث تتحول المؤسسات العامة إلى كيانات تجارية بحتة. المطلوب هو تطوير الإدارة العامة بحيث تظل خادمة للصالح العام، وتراعي القيم الإنسانية والاجتماعية، دون أن تنزلق إلى عقلية الربح والخسارة التي تحكم عالم الشركات. فالدولة، بخلاف الشركة، مسؤولة عن حماية الفئات الأكثر ضعفًا، وضمان الحد الأدنى من العدالة للجميع، وليس فقط تحقيق التوازن المالي أو تعظيم الإيرادات.
العدالة الاجتماعية: صمّام أمان الدولة
ليست العدالة الاجتماعية مجرد مفهوم نظري، بل هي الأساس الذي تقوم عليه المجتمعات المستقرة والدول القوية. عندما تتحقق العدالة الاجتماعية، يشعر المواطنون بأنهم جزء من كيان متكامل، حيث تُوزَّع الفرص والموارد بشكل عادل، مما يعزز الاستقرار السياسي والاقتصادي ويحدّ من التوترات الاجتماعية.
أهمية العدالة الاجتماعية في استقرار الدولة
تؤدي العدالة الاجتماعية دورًا محوريًا في تحقيق التوازن داخل المجتمع، فهي:
- تقلل الفجوة بين الطبقات الاجتماعية، مما يمنع نشوء صراعات قائمة على التفاوت الاقتصادي.
- تعزز الشعور بالانتماء الوطني، حيث يشعر المواطنون بأنهم شركاء في بناء الدولة وليسوا مجرد أفراد معزولين.
- تحمي الدولة من الاضطرابات، إذ أن غياب العدالة يؤدي إلى تفاقم الاحتقان الاجتماعي، كما حدث في العديد من الدول التي شهدت احتجاجات بسبب التفاوت الاقتصادي.
مظاهر العدالة الاجتماعية
تشمل العدالة الاجتماعية عدة جوانب، منها:
- التعليم المجاني والعادل: يضمن تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، بغض النظر عن خلفياتهم الاقتصادية.
- الرعاية الصحية الشاملة: توفر الدولة خدمات صحية للجميع، مما يعزز جودة الحياة ويقلل من الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
- توزيع الثروات بشكل منصف: عبر سياسات ضريبية عادلة تمنع تركز الثروة في يد قلة قليلة.
- ضمان حقوق العمل: من خلال قوانين تحمي العمال من الاستغلال وتوفر لهم بيئة عمل آمنة ومستقرة.
التحديات التي تواجه العدالة الاجتماعية
رغم أهميتها، تواجه العدالة الاجتماعية تحديات كبيرة، مثل:
- الفساد الإداري الذي يؤدي إلى احتكار الموارد من قبل فئات معينة.
- السياسات الاقتصادية غير المتوازنة التي تركز على النمو دون مراعاة توزيع الثروة بشكل عادل.
- ضعف المؤسسات الرقابية التي يجب أن تضمن تطبيق القوانين المتعلقة بالعدالة الاجتماعية.
نماذج ناجحة في تحقيق العدالة الاجتماعية
هناك دول نجحت في تطبيق العدالة الاجتماعية بشكل فعال، مثل السويد التي تعتمد على نظام ضرائب تصاعدي يضمن توزيع الثروة بشكل عادل، وألمانيا التي توفر برامج دعم اجتماعي قوية للفئات الأقل دخلًا.
كيف يمكن تعزيز العدالة الاجتماعية؟
لتحقيق العدالة الاجتماعية، تقع على الحكومات مسؤولية تبني سياسات واضحة، مثل:
- إصلاح النظام الضريبي بحيث يكون أكثر عدالة ويحدّ من الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
- تعزيز دور المجتمع المدني في مراقبة السياسات الحكومية وضمان تنفيذها بشفافية.
- الاستثمار في التعليم والصحة لضمان تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين.
إذن… العدالة الاجتماعية ليست رفاهية، بل هي ضرورة لضمان استقرار الدولة وتماسك المجتمع. عندما يشعر المواطنون بأنهم يحصلون على حقوقهم بشكل عادل، يصبحون أكثر استعدادًا للمساهمة في بناء وطنهم، مما يعزز التنمية المستدامة ويحدّ من الأزمات الاجتماعية والسياسية.
الشفافية والمساءلة: ضمان استقرار الدولة وحماية مؤسساتها
الشفافية والمساءلة هما الركيزتان الأساسيتان لضمان استقرار الدولة وحماية مؤسساتها من الانحراف نحو المصالح الضيقة أو الفساد الإداري. عندما تغيب هذه المبادئ، تتحول المؤسسات الحكومية إلى أدوات لتحقيق مكاسب خاصة، مما يؤدي إلى تآكل الثقة بين الدولة والمواطنين، ويهدد استقرار المجتمع.
- أهمية الشفافية والمساءلة في بناء الدولة
تبرز أهمية الشفافية والمساءلة من خلال:
- تعزيز ثقة المواطنين: عندما تكون المؤسسات الحكومية شفافة، يشعر المواطنون بأنهم جزء من منظومة عادلة، مما يعزز الولاء الوطني.
- مكافحة الفساد: تمنع الرقابة الفعالة إساءة استخدام السلطة، وتحدّ من الفساد الإداري والمالي.
- تحقيق العدالة الاجتماعية: تضمن المساءلة توزيع الموارد بشكل عادل، مما يحمي الفئات الأقل حظًا من التهميش.
- تحصين الدولة من الانهيار: تواجه الدول التي تفتقر إلى الشفافية والمساءلة، اضطرابات سياسية واجتماعية، كما حدث في العديد من الدول التي شهدت انهيارًا مؤسسيًا بسبب الفساد.
- آليات حماية المؤسسات من الانحراف
- إصلاح الأنظمة الرقابية
- إنشاء هيئات مستقلة لمراقبة أداء المؤسسات الحكومية.
- تعزيز دور القضاء في محاسبة المسؤولين عن أي تجاوزات.
- تعزيز دور الإعلام المستقل
- دعم الصحافة الحرة لضمان كشف أي فساد أو سوء إدارة.
- حماية الصحفيين من الضغوط السياسية والاقتصادية التي قد تعيق عملهم.
- إشراك المجتمع المدني
- تمكين المنظمات غير الحكومية من مراقبة أداء الحكومة.
- تعزيز دور المواطنين في الإبلاغ عن أي تجاوزات عبر منصات رقمية شفافة.
- تطوير القوانين والتشريعات
- سن قوانين صارمة لمكافحة الفساد الإداري والمالي.
- فرض عقوبات واضحة على المسؤولين الذين يسيئون استخدام السلطة.
- استخدام التكنولوجيا لتعزيز الشفافية
- تطبيق أنظمة رقمية لمراقبة الإنفاق الحكومي.
- توفير منصات إلكترونية تتيح للمواطنين الاطلاع على تفاصيل الميزانية العامة.
- نماذج ناجحة في تطبيق الشفافية والمساءلة
- رواندا: بعد الإبادة الجماعية، نجحت رواندا في إعادة بناء مؤسساتها عبر إصلاحات جذرية عززت الشفافية والمساءلة، مما ساهم في تحقيق استقرار اقتصادي وسياسي.
- السويد: تعتمد على نظام رقابي قوي يضمن مساءلة المسؤولين الحكوميين، مما جعلها واحدة من أكثر الدول شفافية في العالم.
ليست الشفافية والمساءلة مجرد أدوات إدارية، بل هي صمام أمان يحمي الدولة من الانهيار، ويضمن استقرارها السياسي والاجتماعي. عندما يشعر المواطنون بأنهم جزء من منظومة عادلة، يصبحون أكثر استعدادًا للمساهمة في بناء وطنهم، مما يعزز التنمية المستدامة ويحدّ من الأزمات.
الهوية الوطنية… أساس الدولة ومصدر قوتها
الدولة ليست مجرد جهاز إداري يقدم الخدمات، بل هي كيان يحمل في طياته ثقافة وتاريخًا وذاكرة جماعية تشكل هوية المواطنين. هذه الهوية الوطنية ليست مجرد شعور بالانتماء، بل هي الرابط الذي يجمع الأفراد في مجتمع واحد، ويمنحهم الإحساس بالمسؤولية تجاه وطنهم.
أهمية الهوية الوطنية في بناء الدولة
تلعب الهوية الوطنية دورًا جوهريًا في استقرار الدولة وتعزيز تماسك المجتمع، فهي:
- تخلق شعورًا بالانتماء، حيث يدرك المواطن أنه جزء من كيان أكبر من مصالحه الفردية.
- تعزز التضامن الاجتماعي، مما يساعد في مواجهة التحديات الوطنية بروح جماعية.
- تحمي الدولة من التفكك، إذ أن ضعف الهوية الوطنية يؤدي إلى انقسامات داخلية تهدد الاستقرار.
كيف يمكن تعزيز الهوية الوطنية؟
يتطلب ضمان ترسيخ الهوية الوطنية، أن تترجم في مختلف جوانب الحياة العامة، ومنها:
مناهج التعليم
- إدراج مواد تعليمية تعزز فهم التاريخ الوطني والقيم المشتركة.
- التركيز على الشخصيات الوطنية التي ساهمت في بناء الدولة.
- تعزيز مفهوم المواطنة الفاعلة، بحيث يدرك الطالب دوره في حماية الوطن وتطويره.
الإعلام الوطني
- تقديم محتوى يعكس القيم الوطنية ويعزز الشعور بالانتماء.
- دعم الإنتاج الثقافي والفني الذي يبرز الهوية الوطنية.
- مكافحة الخطاب الذي يضعف الروابط الوطنية أو يروج للانقسامات.
السياسات العامة
- وضع استراتيجيات حكومية تعزز العدالة الاجتماعية، مما يرسخ الشعور بالمواطنة المتساوية.
- دعم المبادرات التي تعزز التفاعل بين مختلف فئات المجتمع، مثل الفعاليات الثقافية والرياضية.
- ضمان أن القرارات السياسية والاقتصادية تأخذ بعين الاعتبار الحفاظ على الهوية الوطنية.
نماذج ناجحة لتعزيز الهوية الوطنية
هناك دول نجحت في ترسيخ هويتها الوطنية عبر سياسات واضحة، مثل اليابان التي تعتمد على التعليم والإعلام في تعزيز القيم الوطنية، وفرنسا التي تدمج الهوية الوطنية في سياساتها الثقافية والاجتماعية.
من هنا نرى أن الهوية الوطنية أوسع من أن تكون مجرد شعور، بل هي منظومة متكاملة يجب أن تُترجم في التعليم، الإعلام، والسياسات العامة لضمان استقرار الدولة وتماسك المجتمع. عندما يشعر المواطن بأنه جزء من كيان أكبر، يصبح أكثر استعدادًا لحماية وطنه والمساهمة في تطويره.
دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة: ركيزة التنمية المستدامة
في ظل التحولات الاقتصادية العالمية، أصبح دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة ضرورة لضمان التنمية المستدامة، بعيدًا عن سياسات الربح السريع أو الخصخصة العشوائية. هذه المشاريع تشكل العمود الفقري للاقتصاد المحلي، حيث توفر فرص عمل، تعزز الابتكار، وتساهم في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
نقاط القوة في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة
- تحفيز النمو الاقتصادي: تساهم هذه المشاريع في زيادة الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد.
- خلق فرص عمل: توفر وظائف لشرائح واسعة من المجتمع، مما يقلل معدلات البطالة.
- تعزيز الابتكار: توفر بيئة مناسبة لتطوير أفكار جديدة وحلول إبداعية.
- تحقيق العدالة الاقتصادية: تساعد في توزيع الثروة بشكل أكثر توازنًا، مما يقلل الفجوة بين الطبقات الاجتماعية.
- السياسات الاقتصادية المطلوبة لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة
يتطلب دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة سياسات اقتصادية واضحة تركز على توفير التمويل الميسر، تبسيط الإجراءات القانونية، وتعزيز البنية التحتية. يجب أن تشمل هذه السياسات تقديم حوافز ضريبية، إنشاء صناديق دعم حكومية، وتسهيل الوصول إلى الأسواق المحلية والدولية. يعزز الاستثمار في التكنولوجيا والابتكار قدرة هذه المشاريع على المنافسة، بينما يساهم تحسين بيئة الأعمال في استدامتها ونموها. تقليل الاعتماد على الشركات الكبرى يضمن توزيعًا أكثر عدالة للثروة، ويعزز الاقتصاد المحلي بشكل مستدام.
من أهم متطلبات دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة:
- توفير التمويل الميسر
- إنشاء صناديق دعم حكومية تقدم قروضًا بفوائد منخفضة.
- تقديم حوافز ضريبية للمشاريع الناشئة لتخفيف الأعباء المالية عنها.
- تسهيل الإجراءات القانونية والإدارية
- تبسيط إجراءات تسجيل الشركات وتقليل البيروقراطية.
- توفير منصات رقمية لتسهيل الوصول إلى الخدمات الحكومية.
- تعزيز البنية التحتية
- تحسين شبكات النقل والاتصالات لدعم توسع المشاريع.
- توفير مناطق صناعية وتجارية بأسعار مناسبة لرواد الأعمال.
- دعم التسويق والتصدير
- تقديم برامج تدريبية لمساعدة أصحاب المشاريع على تطوير استراتيجيات تسويقية فعالة.
- إنشاء منصات حكومية لدعم تصدير المنتجات المحلية إلى الأسواق العالمية.
- تشجيع الابتكار وريادة الأعمال
- دعم الحاضنات والمسرّعات التي توفر بيئة مناسبة لنمو الشركات الناشئة.
- تقديم منح بحثية لتطوير تقنيات جديدة تعزز الإنتاج المحلي.
مخاطر الارتهان للشركات الكبرى ورأس المال الأجنبي
يشكل الارتهان للشركات الكبرى ورأس المال الأجنبي خطرًا على استقلالية الاقتصاد الوطني، حيث يؤدي إلى فقدان الدولة السيطرة على مواردها الاستراتيجية. عندما تعتمد الحكومات بشكل مفرط على الاستثمارات الأجنبية، تصبح عرضة لتقلبات الأسواق العالمية، مما يهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. الشركات الكبرى غالبًا ما تفرض شروطًا تخدم مصالحها، مثل سياسات ضريبية تفضيلية أو استغلال الموارد المحلية دون مراعاة العدالة الاقتصادية. يؤدي هذا النموذج إلى تهميش المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ويضعف القدرة التنافسية للاقتصاد المحلي. لضمان السيادة الاقتصادية، يجب تبني سياسات تدعم الإنتاج المحلي، تحفز ريادة الأعمال، وتقلل من الاعتماد على رأس المال الأجنبي في القطاعات الحيوية.
يؤدي الارتهان لرأس المال الأجنبي إلى:
- ضعف السيادة الاقتصادية: يؤدي الاعتماد المفرط على الشركات الكبرى إلى فقدان الدولة السيطرة على مواردها.
- تفاقم الفجوة الاقتصادية: تهيمن الشركات الكبرى على السوق، مما يقلل فرص المنافسة العادلة.
- تراجع الابتكار المحلي: يحدّ التركيز على الاستثمارات الأجنبية من دعم المشاريع المحلية المبتكرة.
نماذج ناجحة لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة
- ألمانيا: تعتمد على برامج تمويل قوية لدعم المشاريع الناشئة، مما ساهم في تعزيز الابتكار الصناعي.
- كوريا الجنوبية: توفر حوافز حكومية لريادة الأعمال، مما جعلها مركزًا عالميًا للتكنولوجيا.
- السويد: تعتمد على سياسات ضريبية مرنة لدعم المشاريع الصغيرة، مما ساهم في تحقيق نمو اقتصادي مستدام.
لاتتوقف حدود دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة عند الخيار الاقتصادي، بل هو ضرورة لضمان الاستقرار والتنمية المستدامة. من خلال سياسات حكومية فعالة، يمكن تعزيز الاقتصاد المحلي، تحقيق العدالة الاجتماعية، وتقليل الاعتماد على الشركات الكبرى ورأس المال الأجنبي.

حماية الحقوق السياسية واستقلال المؤسسات
تعد مراقبة أداء الحكومة من أهم الركائز التي تضمن استقرار الدولة وحماية الحقوق السياسية، حيث تمنع تغول السلطة التنفيذية أو انحرافها نحو خدمة مصالح فئة محددة. يمثل استقلال القضاء والمؤسسات التشريعية صمام أمان لضمان العدالة، بينما يلعب المجتمع المدني والأحزاب السياسية دورًا محوريًا في مراقبة الأداء الحكومي ومنع احتكار السلطة أو تسييس الخدمات العامة.
أهمية حماية الحقوق السياسية واستقلال القضاء
تبرز أهمية حماية الحقوق السياسية واستقلال القضاء من خلال:
- ضمان العدالة والمساواة: يضمن استقلال القضاء تطبيق القوانين بعدالة دون تدخل سياسي، مما يحمي حقوق الأفراد ويعزز ثقة المواطنين في النظام القانوني.
- منع الاستبداد السياسي: عندما تكون المؤسسات التشريعية مستقلة، يمكنها مراقبة أداء الحكومة ومنع أي تجاوزات قد تؤدي إلى تقييد الحريات السياسية.
- تعزيز الشفافية والمساءلة: يتيح وجود نظام قضائي مستقل محاسبة المسؤولين الحكوميين في حال ارتكابهم مخالفات أو فساد إداري.
مهمات الأحزاب السياسية والمجتمع المدني في الرقابة:
- مراقبة السياسات الحكومية: تلعب الأحزاب السياسية دورًا رئيسيًا في تقييم أداء الحكومة واقتراح بدائل للسياسات غير الفعالة.
- تعزيز الوعي السياسي: يساهم المجتمع المدني في نشر الوعي حول الحقوق السياسية، مما يساعد المواطنين على المطالبة بحقوقهم والمشاركة الفعالة في الحياة العامة.
- منع احتكار السلطة: تمنع الرقابة الشعبية والمؤسساتية تركيز السلطة في يد فئة محددة، مما يضمن تداول السلطة بشكل ديمقراطي.
آليات تعزيز الرقابة على أداء الحكومة:
- إصلاح القوانين لضمان استقلال القضاء: وضع تشريعات تحمي القضاء من التدخل السياسي، مما يعزز دوره في تحقيق العدالة.
- تعزيز دور الإعلام المستقل: تؤدي الصحافة الحرة دورًا محوريًا في كشف الفساد ومراقبة أداء الحكومة، مما يضمن مساءلة المسؤولين.
- تفعيل دور البرلمان في الرقابة: للبرلمان صلاحيات واسعة لمحاسبة الحكومة ومراجعة سياساتها لضمان تحقيق المصلحة العامة.
- تمكين المجتمع المدني: دعم المنظمات غير الحكومية التي تعمل على مراقبة الأداء الحكومي وتعزيز الشفافية.
- استخدام التكنولوجيا في الرقابة: الاستفادة من المنصات الرقمية لنشر المعلومات حول أداء الحكومة وتمكين المواطنين من الإبلاغ عن أي تجاوزات.
مراقبة أداء الحكومة ضرورة أساسية لضمان استقرار الدولة وحماية الحقوق السياسية. عندما تكون المؤسسات القضائية والتشريعية مستقلة، ويتمتع المجتمع المدني والأحزاب السياسية بدور فعال، يمكن تحقيق نظام سياسي متوازن يحمي مصالح جميع المواطنين.
مقاومة النزعة التجارية في الخدمات العامة
مقاومة النزعة التجارية في الخدمات العامة تشكل تحصيناً للعدالة الاجتماعية وحماية حقوق المواطنين. عندما تتحول القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم والمياه إلى سلع تخضع لقوانين السوق، يصبح الوصول إليها مشروطًا بالقدرة المالية، مما يؤدي إلى تهميش الفئات الأقل دخلًا ويفاقم الفجوة الاجتماعية.
الدولة مسؤولة عن توفير هذه الخدمات كحقوق أساسية لجميع المواطنين، وليس كامتيازات لمن يستطيعون تحمل تكلفتها. في العديد من الدول التي تبنت سياسات الخصخصة العشوائية، أدى ذلك إلى ارتفاع تكاليف العلاج والتعليم، مما جعل هذه الخدمات بعيدة عن متناول الطبقات المتوسطة والفقيرة.
الاستثمار في الخدمات العامة جزء من استراتيجية التنمية المستدامة، حيث تضمن الدولة جودة هذه الخدمات دون تحويلها إلى أدوات للربح التجاري. يمكن تحقيق ذلك من خلال تعزيز التمويل الحكومي، تحسين الإدارة، وضمان الشفافية في توزيع الموارد.
تتطلب مقاومة النزعة التجارية أيضًا دورًا فعالًا للمجتمع المدني والإعلام المستقل في مراقبة السياسات الحكومية، وكشف أي محاولات لتحويل الخدمات الأساسية إلى مشاريع تجارية. عندما يدرك المواطنون أهمية هذه القضية، يصبحون أكثر قدرة على المطالبة بحقوقهم، مما يعزز دور الدولة كحامية للمصلحة العامة وليس مجرد وسيط اقتصادي.
التكنولوجيا في خدمة الإنسان لا السوق
يهدف التحول الرقمي في الخدمات الحكومية إلى تحسين الكفاءة والشفافية، لكنه يجب أن يحافظ على البعد الإنساني في العلاقة بين الدولة والمواطن. يمكن للذكاء الاصطناعي والأنظمة الرقمية تبسيط الإجراءات، تقليل الأخطاء، وتسريع تقديم الخدمات، لكن استخدامها يجب أن يكون موجّهًا لخدمة الإنسان وليس لتحويله إلى مجرد رقم في قاعدة بيانات.
تحقق الرقمنة تعزيزاً للتفاعل بين المواطن والمؤسسات الحكومية، من خلال منصات توفر استجابة سريعة وفعالة دون إلغاء الدور البشري في اتخاذ القرارات. بعض الحكومات نجحت في تحقيق هذا التوازن عبر تطوير أنظمة ذكية تتيح للمواطنين الوصول إلى الخدمات بسهولة، مع الحفاظ على إمكانية التواصل المباشر مع المسؤولين.
يؤدي الاعتماد المفرط على التكنولوجيا دون مراعاة الجوانب الإنسانية إلى فقدان الثقة في المؤسسات الحكومية، لذلك يجب أن يكون التحول الرقمي مدعومًا بسياسات تضمن حماية حقوق المواطنين، وتعزز الشفافية والمساءلة لضمان أن التكنولوجيا تخدم الإنسان، لا أن تستبدل دوره.
الدولة كضمانة للكرامة والعدالة
يستلزم تحصين الدولة من الوقوع في مطبّات نموذج الشركة رؤية شاملة تضع الإنسان والمواطنة في قلب السياسات، بحيث لا تتحول الدولة إلى مجرد كيان اقتصادي يسعى للربح على حساب العدالة الاجتماعية والاستقرار الوطني. الدولة ليست شركة، والمواطن ليس زبونًا، بل هو شريك في بناء وطن يضمن له الكرامة والانتماء والحقوق الأساسية.
التوازن بين الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية هو جوهر أي سياسة حكومية ناجحة. وهذا يعني أن الدولة مطالبة بالتركيز على تحقيق النمو الاقتصادي دون التضحية بحقوق المواطنين أو تحويل الخدمات العامة إلى سلع تخضع لقوانين السوق. الصحة، التعليم، الكهرباء، والمياه ليست مجرد خدمات تجارية، بل هي حقوق أساسية يجب أن تظل في صلب مسؤولية الدولة لضمان تكافؤ الفرص للجميع.
ونشير هنا إلى أن الرقابة الفعالة على أداء الحكومة والمؤسسات العامة هي التي تمنع تغوّل السلطة التنفيذية أو انحرافها نحو خدمة مصالح فئة محددة. استقلال القضاء، حرية الإعلام، ودور المجتمع المدني عوامل رئيسية في ضمان الشفافية والمساءلة، مما يحمي الدولة من الوقوع في نموذج الشركة الذي يضع الربح فوق المصلحة العامة.
على السياسات الاقتصادية أن تدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتوزع الموارد بشكل عادل، وتمنع الارتهان للشركات الكبرى أو رأس المال الأجنبي. عندما تفقد الدولة سيطرتها على اقتصادها، تصبح عرضة للتبعية، مما يضعف قدرتها على حماية مصالح مواطنيها.
يبدأ تحصين الدولة من تعزيز مفهوم المواطنة، حيث يشعر كل فرد بأنه جزء من كيان أكبر، مسؤول عن حمايته وتطويره. الدولة ليست مجرد جهاز إداري، بل هي حاضنة للثقافة والتاريخ والذاكرة الجماعية، ويجب أن تترجم هذه الهوية في التعليم، الإعلام، والسياسات العامة لضمان استقرار المجتمع واستدامة التنمية.