الأستاذ الدكتور عطا الله الرمحين
أستاذ الإعلام في جامعة دمشق
إن لموقف العداء الغربي، تجاه الآخر المسلم في عصرنا الحاضر ،سابقات تاريخية ترجع إلى الحروب الصليبية التي قامت تحت عنوان تحرير القدس الشريف، ولتتجدد أواخر القرن السادس عشر ميلادي في ديار الأندلس، غداة سقوط الدول الإسلامية في إسبانيا. وقد بلغ هذا العداء أوج حدّته في ما يعرف بقضية الموريسكيين. وتعني هذه اللفظة فلول المسلمين الإسبان المجبورين على الارتداد عن الإسلام والدخول قهراً في الديانة الكاثوليكية. وقد أصبح العربي المسلم هو الآخر غرضاً للرفض الديني والعداء الاجتماعي والغربة البشرية، من جانب المجتمع الكاثوليكي ومن جانب الحكومة الملكية الكاثوليكية. ويتغذى هذا العداء بما كان للإسبان المسلمين من شواهد المغايرة في العقيدة الدينية وفي التمسك باللغة العربية والمحافظة على العادات التقليدية في الملبس والمأكل وفي التزام النظافة البدنية التي كان ينكرها الإسبان الكاثوليكيون، والتزام الأعياد الإسلامية. وكان الملوك الكاثوليك يتهمون المسلمين الإسبان بالولاء للدولة العثمانية عنواناً للمغايرة السياسية وخطراً على الأمن الداخلي الإسباني. وقد كانت الدولة المسيحية في إسبانيا تتصف بالتعصب الديني وبالسلفية الكاثوليكية المتحجرة الرافضة لكل مغايرة العاملة على تحقيق التطهير العرقي والثقافي لدى الآخر الدخيل. ولا تتحاشى أن تلصق تهمة العداء بعدد كبير من المواطنين بسبب ما كان لهم من مظاهر الاختلاف في العقيدة وفي اللغة والسلوك. وقد ظهرت تلك النزعة على مستوى ما يمكن أن نسميه فقه النصرانية، إذ عمد أسقف كنيسة قرطبة عام ١٥٣٥ بتوجيه التماس إلى البابا بولس الثالث، يطلب الإذن في إنشاء قاعدة نظافة الدم كشرط لكل من يترشح إلى الاضطلاع بمهمة كنسية أو إدارية. وقد رفض البابا بولس الثالث هذا الطلب في أول الأمر، ولكنه عاد فوافق عليه بعد أن تدخل الملك شارل الخامس لتأييده. فأصبح لزاماً على كل مواطن إسباني يترشح لوظيفة عمومية أن يثبت أن ليس في عائلته أية قرابة دموية بشخص مسلم أو يهودي، حكماً قانونياً وأن أعراقه طاهرة من ذلك على امتداد أربعة أجيال. وأصبحت قاعدة نظافة الدم ثابتاً لم يجر إلغاؤه إلا عام ۱۸٦٥ بمعنى أن مفعوله اعتمد على مدى ثلاثة قرون، وشمل . المسلمين واليهود على السواء. وقد نص ذلك القانون على وجوب تضارب بين التقاليد الوطنية… والتقاليد اليهودية المانعة للاندماج … وأن اليهودية تبعاً لذلك صفة كل إنسان تظهر عليه علامات بارزة أو تلصق به تهمة الاتصاف بها والتعلق بتقاليد اليهود وفي ذلك ضمان حسب القانون لتطهير الأعراق وتنقية الدم الإسباني من جراثيم المغايرة ووباء الاختلاف. وعمّ الاعتقاد الخاطىء بأن الانتماء إلى العقيدة الإسلامية أو الموسوية حالة وراثية تنتقل بين الأجيال من طريق القرابة الدموية. فهل يختلف هذا الرأي عن المراجع الفكرية للنازية الألمانية في أواسط القرن الماضي، والتي قامت هي الأخرى على مفاهيم التطهير العرقي وعلى التسليم بالخصائص المميزة للجنس «الآري» المفضل في السمات والملامح وفي العقلية والتربية المدنية؟ وأدى هذا المذهب عام ١٥٩٨ إلى اتخاذ الملك الإسباني فيليب الثالث قراراً بطرد ونفي المسلمين. وكان سلفه فيليب الثاني يميل إلى الإبقاء عليهم لتنتفع الدولة والكنيسة من «الجزية» المفروضة عليهم، ولينتفع الاقتصاد بخبراتهم في مختلف ميادين النشاط، مثل نسج الحرير في غرناطة وإنتاج الفواكه والثمار في المناطق الزراعية المسقية التي كانوا يختصون بمباشرتها. وصدر الأمر الملكي بالطرد في ۲۲ أيلول / سبتمبر ١٦۰۹ من جانب الملك فيليب الثالث. وكان أول بادرة لقيام الدولة العنصرية الرسمية، ويقضي بحظر الإقامة في أرض الدولة الكاثوليكية الإسبانية على كل مواطن موريسيكي»، وبتسليط عقاب القتل على المخالفين. ونتج من هذا المرسوم الملكي تهجير نصف مليون مسلم من السكان رجالاً ونساءً وأطفالاً وشيوخاً من جملة سكان إسبانيا الذين كانوا يبلغون ثمانية ملايين. ووقع الاستيلاء على جميع أرزاق المهجرين.” يقول المؤرخ الإسباني رودريكو دي سياس (۱۹) في كتابه المورسكو ونازية الدولة «كان في ذلك التهجير منشأ انحطاط إسبانيا وخرابها. ففي جهات عديدة تعطلت الزراعة وعادت الأرض بوراً، وانقرضت العديد من الحرف المدنية في ميادين النقل والبناء وفي تربية الخيول والبغال وفي بناء شبكات الري وإنتاج الخضر والغلال هذا إضافةً إلى تدهور قيمة العملة في القرن السادس عشر وانتشار الأوبئة وفساد الإدارة والفتن المتعددة المستمرة.. جميع هذه العوامل أوقعت إسبانيا في أحلك فترات تاريخها