كتب الأديب عماد يحيى عبيد[1]:
إن الدولة المدنية مصطلح أوجده الإسلاميون للإشارة إلى المعادل (غير الموضوعي) للدولة الإسلامية، حيث يفضل الإسلاميون مصطلح دولة مدنية لا دولة علمانية.
يبدو أن من طرح هذا الرأي استند إلى موسوعة اليوكيبديا في تعريفها للدولة المدنية، وهذا التعريف ناقص ومجتزأ من سياقه التاريخي.
الإنموذج العربي الإسلامي للدولة المدنية طرحه مفكرون إسلاميون نهضويون على رأسهم محمد عبدو ورفاعة الطهطاوي وعبد الرحمن الكواكبي وأخذه سيد قطب هربا من مغبة طرح مصطلح الدولة العلمانية. أخذه ولم يؤمن به.
لكن قبل ذلك وعلى المستوى الأممي أشار إلى الدولة المدنية إفلاطون وإن كان بشكل مغاير للشكل المعاصر في المدينة الفاضلة، وذكرها أرسطو في كتابيه (السياسة والأخلاق الكبرى) وجاءت على ذكرها الحقوق الرومانية أيضا في سياق آخر، وتطورت إلى مفهوم الدولة العلمانية في أوربا وكان من أبرز دعاتها فلاسفة عصر التنوير من فرانس بيكون – ديكارت – جان لوك – مونتيسكيو – وجان جاك روسو.
لمن أرد الوقوف على الفرق بين المصطلحين ومن يرغب بالقراءة أضع رابط لمنشور على موقع صالون سوريا يشير إلى نقاط الاختلاف والالتقاء بين المصطلحين.
ولمن لا وقت له للقراءة أقتبس بعض الفروق بينه.
الدولة المدنية دولة لا عسكرية تنادي بالديمقراطية وحكم الأكثرية والانتخاب والتداول السلمي للسلطة ولاتنأى بالأديان خارج مكوناتها السياسية والإدارية. ويتم التعامل مع الدين كثقافة وحالة إجتماعية.
الدولة العلمانية تقوم على فصل الدين والسياسة والتعليم عن الدولة حتى في مصادر التشريع وعلى تطبيق القوانين الوضعية كحالة سيادية والمساواة بين الجميع دون الرجوع إلى المعتقدات دينية كانت أو غيرها. وتسعى إلى تكنقرطة السلطة.
في الدولة المدنية هناك إشكال وحرج في تعاطيها مع الاعتقادات اللادينية أو الإلحادية مراعاة للانتماءات الدينية والنسيج الاجتماعي المتشكل من أرضية ذات منابت دينية،
الدولة العلمانية تتعاطى مع الدينيين واللادينين بنفس المستوى. ولكن الدولة العلمانية لا تعارض حكم العسكر والحزب الواحد.
وأنا أرى أن الدولة المدنية في بلادنا يجب أن تسبق الدولة العلمانية في التشكل نظرا للبنية الدينية والاجتماعية والسياسية في المنطقة، وتأتي الدولة العلمانية كحالة تتويج بعد المرور في حالة الدولة المدنية ويعتمد الوصول إليها إلى الوعي والنضوج السياسي والاجتماعي والعلمي، خاصة أن مريدي الدولة الإسلامية يتطيرون من مصطلح الدولة العلمانية.
أخيرا أقول: سموها ما شئتم، سموها دولة عصرية أو حداثية أو (دولة عصية على التسمية) فنحن نريد دولة ديمقراطية تقوم على العدل والنزاهة والمساواة بين الجميع دون تمييز بالعقيدة أو الجندر أو العرق أو اللغة أو القومية ويكون الإنسان غايتها الأساسية.
[1] محامي، أديب وشاعر له العديد من المقالات الفكرية والأدبية، واصدارات متنوعة.