بقلم: الأستاذ الدكتور سليم إبراهيم الحسنية[1]
*هل تريد نظام حكم مدني أم علماني، ولماذا؟
* قبل الإجابة، راجع الشرح، لمعرفة ما هو الفرق بينهما، وأيهما أفضل لسورية؟
*خلفية الحوار السياسي في سورية الآن
في عالم اليوم، يوجد أكثر من عشرة أنظمة للحكم، تختلف باختلاف تاريخ البلد وثقافته، والأسس التي تستند إليها، وطريقة توزيع السلطات فيها.
بعد التغيير السياسي الحادث الآن في سورية، وفتح ساحات التظاهر والحوارات السياسية، من كل التيارات والاتجاهات الفكرية والسياسية والعقائدية الممكنة؛ القديم المعروف منها، مثل: الحرية، والعدالة، والانتخاب، والدستور؛ وأنظمة الحكم المتداولة حالياً، مثل: الدكتاتورية، والديمقراطية، والفيدرالية؛ وأنظمة الحكم الأكثر حداثة، مثل: المدنية، والعلمانية، والهجينية.
في هذه الحوارات، كثيراً من نخلط بين هذه المفاهيم التي تقوم عليها الدول، أو نحملها مضامين وخصائص، لا تتحملها من حيث الفكر الأكاديمي ولا من حيث الممارسة الفعلية.
سأحاول، باختصار، أن اشرح مضمون نظام “الحكم المدني” ونظام “الحكم العلماني”، وقد كُتبت عن ذلك أبحاث عديدة، ولكنها، يا للأسف، مقتصرة على التداول بين الباحثين في علم السياسة والإطار الأكاديمي، والمنخرطين في السياسة مباشرة. اما عامة الناس، نتيجة عدم وجود مجال للحوار السياسي على مدى أكثر من جيلين، في سورية، فلم يكن هناك حاجة عند الناس لمثل هذه المفاهيم في حواراتهم، حيث السياسة محددة سلفاً، ولا يجوز الخروج على المفاهيم المقرة سلفاً، وفي الجلسات الاجتماعية، القاعدة السائدة “رجاء لا تحكوا بالسياسة”.
الجدير بالذكر عما تتداوله وسائل الإعلام، عن إعلان دستوري مؤقت صادر عن المعهد العالي للقضاء الحر، ومقدم كاقتراح لقيادة العمليات العسكرية، وقرأه الأستاذ مدير المعهد، يقول في مقدمته: ” إن من حق الشعب السوري بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة… ومن ثم يقرأ المادة الأولى التي تقول: سورية دولة الوطن والمواطنة.. والمادة الثانية تقول: إن دين الدولة الإسلام، والمادة الثالثة: إن دين رئيس الدولة الإسلام”. هذا كلام صادر عن مجلس قضاء أعلى، ويكون فيه هذا الخلط بين المفاهيم! كيف يمكن التوفيق بين الدولة المدنية والمواطنة ويكون للدولة ورئيسها دين بعينه، واقتراح موجه إلى قيادة عمليات عسكرية. أنا اتحدث هنا عن مفاهيم دستورية، وليس عن رأي سياسي، فإذا كان مقترح الدستور وعن مجلس قضاء أعلى لا يفرق بين مفهوم “دولة مدنية” و”دولة مواطنة”، ودولة ورئيسها لهما دين محدد، فكيف بنا بعامة الناس! والاقتراح موجه إلى هيئة عسكرية، أي أن نظام الحكم: “ديني عسكري”.
بعد عرض هذ الخلفية للبيئة السياسية السورية، ومفاهيمها في سياق العهد الجديد، يمكن شرح مفهومي “نظام الحكم المدني” و”نظام الحكم العلماني”، وما الفرق بينهما.
في البداية إن الفرق الأساسي بين نظام “الحكم المدني” ونظام “الحكم العلماني” يكْمُن في طبيعة العلاقة بين الدولة والدين، بالإضافة إلى الأهداف والمبادئ التي يقوم عليها كل منهما؛ وأنه يمكن الجمع بينهما؛ غير أن الالتباس برز بسبب علاقتهما بالدين.
1. تعريف نظام الحكم المدني:
• الحكم المدني، مفهوم سياسي يشير إلى نظام حكم يكون فيه المدنيون هم المسؤولون عن إدارة الدولة، بعيداً عن تدخل المؤسسة العسكرية أو الدينية أو هيمنتهما. هذا المفهوم ظهر في دول العالم الثالث، بشكل خاص، لأن الدول الغربية بطبيعتها دول علمانية مدنية، منذ زمن بعيد.
• يقوم مفهوم الحكم المدني على مفهوم احترام التعددية الدينية والسياسية، وضمان المساواة بين المواطنين، بغض النظر عن خلفياتهم الثقافية أو السياسية أو الدينية أو العرقية.
• مبدأ الحكم المدني لا يشترط بالضرورة الفصل التام بين الدين والدولة، ولكنه يركز على عدم استغلال الدين لتحقيق أهداف سياسية.
خصائص الحكم المدني:
1. سيادة المدنيين: السلطة السياسية تخضع لإرادة الشعب من خلال مؤسسات مدنية، لا دينية ولا عسكرية، مثل مجالس النواب والحكومات المنتخبة.
2. التسامح الديني: النظم العلماني يسمح بمشاركة المواطنين من مختلف الأديان في الحياة السياسية على قدم المساواة.
3. إدارة الدولة وفق القانون: الدولة تلتزم بحكم القانون وليس بالأيديولوجيات الدينية أو العسكرية.
أمثلة:
• كثيراً من الدول الديمقراطية التي تحترم التنوع الديني، مثل إندونيسيا والهند، تعتمد نظام حكم مدني دون فصل صارم بين الدين والدولة.
2. تعريف الحكم العلماني:
• الحكم العلماني هو مفهوم سياسي يشير إلى نظام حكم يقوم على الفصل التام بين الدين والدولة، حيث تكون القرارات السياسية والقوانين قائمة على معايير دنيوية لا دينية، ولا عسكرية، مثل عدم خضوع التشريع لاي مصدر ديني أو تأهيل عسكري.
• يهدف النظام العلماني إلى تحقيق حياد الدولة تجاه جميع الأديان، وضمان حرية العقيدة وعدم استخدام الدين في الشؤون السياسية.
• يسعى إلى فصل الدين عن كافة مناحي الحياة العامة، بما في ذلك التعليم والثقافة والسياسة.
خصائص الحكم العلماني:
1. فصل الدين عن الدولة: الدولة لا تتبنى ديناً رسمياً ولا تستند إلى مبادئ دينية في صياغة القوانين أو السياسات.
2. الحياد الديني: الدولة تعامل جميع الأديان بالتساوي ولا تدعم أي دين أو تعاديه.
3. حرية الاعتقاد: يُكفل للأفراد حرية اختيار الدين أو عدم التدين، دون تدخل الدولة.
أمثلة:
• فرنسا وامريكا تعتمدان على العلمانية كأساس للحكم.
الخلاصة:
- الحكم المدني هو نظام يهدف إلى ضمان سيادة المدنيين والتعددية، مع إمكانية التفاعل الإيجابي بين الدين والدولة وفق إرادة الشعب.
- الحكم العلماني يركز على تحييد الدين بالكامل عن المجال العام السياسي والقانوني لضمان حياد الدولة تجاه الأديان.
- نقطة التشابه: كلا النظامين يهدفان إلى تحقيق فصل بين الدين والدولة، ولكن بنسب مختلفة، وكلاهما يكفلان حرية الدين والمعتقد.
- نقطة الاختلاف: يكمن الاختلاف الأساسي في النطاق الذي يغطيه كل منهما. النظام المدني يركز على فصل الدين عن الدولة، بينما النظام العلماني يسعى إلى فصل الدين عن كافة مناحي الحياة العامة، مثل التربية والثقافة والسياسة.
الاختيار بينهما يعتمد على تاريخ البلد، وثقافته، وطبيعة المجتمع، ودرجة التنوع الديني والثقافي فيه، وإرادة الشعب. لكل نظام إيجابياته وسلبياته، ويبقى التطوير والتكيف مع الظروف مطلباً لكل الدول لضمان استقرارها.
الآن، بعد أن اطلعت على مضمون وخصائص كل من النظام المدني والنظام العلماني، والفروقات بينهما، أصبح بإمكانك الاختيار، ولكن لا يوجد نظام أفضل من أخر، يوجد ما هو النظام المناسب لطبيعة وثقافة المجتمع السوري، ويتلاءم مع العصر الحالي والمستقبلي.
[1] أستاذ جامعي متقاعد من جامعة دمشق، دكتور في العلوم الإدارية والاستراتيجية، والإدارة بالإبداع، كاتب ومفكر وخبير.