معين حمد العماطوري
رئيس تحرير مجلة الشمعة
بغية الوقوف على مصداقية الوقائع والأحداث التي جرت في جرمانا والأشرفية والصورة الكبرى، وموقف طائفة المسلمين الموحدين الدروز من المجازر الإرهابية التي طالت الأبرياء والتي عكست بشكل سلبي على البنية الوطنية والذهنية الوطنية التي تتميز بها سوريا من خلال تنوعها الطيفي، والقومي، والبعد الثقافي التي نالته عبر الزمن كمهد للحضارة العربية.
ولكن ثمة سؤال يطرحه أهالي الجبل كيف لطائفة تشهد ان لا اله الا الله ومحمد رسول الله، في أفراحها واتراحها، وتسيء لنبيها؟
كيف لطائفة احتضنت خلال الأزمة اخوتها السوريين في بيوتها وتقاسمت معهم رغيف الخبز وتصوم رمضان وتحج بيت الله الحرام، تسيء لنبي الله محمد عليه الصلاة والسلام؟
إذا كان الإرهاب هو تدمير وتفجير وحرق منازل المدنيين العزل، ماذا يمكن ان يطلق أهالي الأشرفية والصورة الكبرى على العمل الإجرامي الذي طال المقدسات الدينية وبيوت الله التي تتلى بها آيات الذكر الحكيم؟
ونتيجة لتداعيات والمواقف الجائرة بحق الطائفة المعروفية زارت الدكتورة نجاة رشدي المبعوث الخاص للأمم المتحدة في سورية “غير بيدرسون” والوفد الموافق معها، دار الطائفة مقام عين الزمان في السويداء واستلمت من سماحة الشيخ يوسف جربوع شيخ عقل طائفة المسلمين الموحدين الدروز في سوريا مذكرة توضيحية جاء فيها:
السيد غير بيدرسون المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا
تقرير حول وضع طائفة الموحدين الدروز في سورية
مقدمة
تواجه الطائفة الدرزية في سوريا، وخاصة في محافظة السويداء ومناطق جرمانا وأشرفية صحنايا، تحديات أمنية وإنسانية خطيرة تفاقمت منذ أواخر أبريل 2025، نتيجة حملات تحريض طائفي استُغل فيها تسجيل صوتي مفبرك، أدت إلى تصعيد عنيف واشتباكات دامية. كشفت هذه الأحداث عن ضعف الردع الحكومي ضد الخطاب الطائفي ومحدودية السيطرة على فصائل متطرفة غير منضبطة، بعضها محسوب على نظام أحمد الشرع الحالي، مما يثير مخاوف الدروز من تكرار سيناريوهات مذابح الساحل. تقدم هذه المذكرة تسلسلاً زمنياً للأحداث، تحليلاً للمخاوف والتحديات، وتوصيات لمعالجة الوضع.
تسلسل الأحداث
1. بداية التحريض الطائفي (أواخر أبريل 2025):
o في 28 أبريل 2025، انتشر تسجيل صوتي عبر تطبيق “واتساب”، زُعم أنه لشخص من الطائفة الدرزية يسيء إلى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم). تبين لاحقاً أن التسجيل مفبرك، لكنه أُستخدم كذريعة لتحريض طائفي ضد الدروز.
o صفحات على منصات التواصل الاجتماعي، بعضها محسوب على نظام أحمد الشرع، روجت للتسجيل ودعت إلى التظاهر والانتقام، مما زاد التوترات في مناطق مختلطة مثل جرمانا والسويداء. تحليل لـ”عربي بوست” رصد 5300 تغريدة على منصة X بين 28 و30 أبريل، تضمنت خطاباً تحريضياً، بمشاركة حسابات مجهولة أُنشئت حديثاً لتأجيج الفتنة.
2. اشتباكات جرمانا وأشرفية صحنايا (28-30 أبريل 2025):

o في 28 أبريل، اندلعت اشتباكات في جرمانا (جنوب شرق دمشق) بين شباب دروز يحمون بيوتهم وأراضيهم وقوات أمنية مدعومة بميليشيات، بعد هجوم مجموعات مسلحة على المدينة. امتدت الاشتباكات إلى أشرفية صحنايا وصحنايا، مما أسفر عن مقتل حوالي 119 شخصاً.
o الحكومة السورية، بقيادة أحمد الشرع، اتهمت “مجموعات خارجة عن القانون” بالهجوم، بينما وصفت مشيخة العقل الأحداث بـ”هجمة عنيفة على خلفية طائفية”، مطالبة بحماية المدنيين.
o في 30 أبريل، نفذت إسرائيل غارات جوية على أشرفية صحنايا، مستهدفة “متطرفين” بدعوى حماية الدروز، مما أدى إلى مقتل شخصين وإصابة آخرين، وزاد من تعقيد الوضع.
3. تصعيد في السويداء (أواخر أبريل – أوائل مايو 2025):
o انتقلت التوترات إلى السويداء، حيث شهدت أحياء البدو اشتباكات محدودة. رتل من شباب دروز توجه من السويداء إلى صحنايا لدعم المجموعات المحلية، لكنه وقع في كمين على طريق دمشق-السويداء من قبل فصائل عشائرية وبدوية مدعومة من الحكومة، مما أدى إلى مقتل 57 شاباً، مع تقارير عن حرق جثث الضحايا.
o سُجلت حوادث قطع طرقات من قبل فصائل بدوية لطريق دمشق السويداء عند بلدة المطلة بالإضافة لعدد من الكمائن في العديد من الأماكن على هذا الطريق وقد تسبب اطلاق النار العشوائي والهادف للترهيب بمقتل شخصين وانقطاع الطريق الرئيسي لما يقارب الأسبوع.
o بسبب الشحن الطائفي في الجامعات السورية تسبب بهجرة جماعية لطلاب دروز من الجامعات السورية إلى السويداء، وطلاب سنة من جامعة دمشق فرع السويداء إلى محافظاتهم، بسبب التوترات الطائفية، أدت إلى تعليق الدراسة.
4. الاعتداءات على قرى حران، الثعلة، رساس، والصورة الكبرى وكناكر:
o شهدت قرى حران، الثعلة، رساس، والصورة الكبرى هجمات عنيفة في أواخر أبريل وبداية مايو 2025، شملت:
حران: هجوم ليلة 5 مايو 2025 بقذائف الهاون والمدفعية من فصائل عشائرية وبدوية مدعومة من الحكومة، أدى إلى اضرار بالمنازل ونزوح عدد من الاهالي.
الثعلة: هجمات استهدفت بقذائف هاون للبلدة، ضمن تصعيد منسق من فصائل عشائرية وبدوية مدعومة من الحكومة
رساس: هجمات بقذائف هاون أتلفت ممتلكات وأحرقت منازل لترهيب السكان من فصائل عشائرية وبدوية مدعومة من الحكومة
الصورة الكبرى: هجوم في 30 أبريل 2025 من قوات تابعة لوزارتي الدفاع والداخلية، أدى إلى مقتل العديد وحرق منازل. كما تم تخريب مقام ديني درزي، مما أثار استياءً كبيراً لاستهداف الرموز الدينية.
كناكر: هجمات بقذائف هاون من فصائل عشائرية وبدوية مدعومة من الحكومة.
o قطع طريق الشام-السويداء عند بلدة المطلة من قبل مجموعات بدوية تابعة للحكومة، تسبب في انقطاع المواد الأساسية (غذاء، دواء، وقود)، مما هدد الأمن الغذائي والصحي مما تسبب في عزلة السويداء كونه الطريق الاساسي الوحيد للسويداء
5. جهود التهدئة (مايو 2025):
o قاد الشيخ يوسف جربوع والشيخ حمود الحناوي وفداً إلى أشرفية صحنايا في أوائل مايو 2025، للتفاوض وتهدئة الأجواء، مؤكدين على الوحدة الوطنية حيث تم التوصل الى اتفاق للتهدئة وتفعيل للأمن العام من مختلف أبناء المنطقة ومن ضمنهم الدروز.
o في 2 مايو 2025، توصلت الحكومة السورية ومشايخ العقل الدروز والوجهاء الاجتماعين إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في السويداء نص على تفعيل الضابطة العدلية في السويداء من أبناء المحافظة حصراً، دون تسليم أسلحة وتامين طريق دمشق السويداء وبسط الامن والأمان على الأراضي السورية.
o أصدرت مشيخة العقل بيانات في 30 أبريل و5 مايو 2025، أكدت أن التسجيل مفبرك، داعية إلى نبذ الطائفية وتحقيق شفاف.

الأثر الاجتماعي والاقتصادي
أدت التوترات الطائفية إلى تدهور العلاقات بين الدروز ومكونات أخرى، مما أثر على النشاط التجاري والزراعي في السويداء، مصدر الرزق الرئيسي للسكان. توقف الأسواق المحلية، انخفاض التجارة مع المحافظات الأخرى، وقطع طريق الشام-السويداء زادا من الضغوط الاقتصادية. تعليق الدراسة في جامعة دمشق فرع السويداء والمدارس التعليمية لكافة المراحل ضمن المحافظة مما يهدد التعليم، و يُعيق آمال الدروز في استعادة الاستقرار ويتطلب دعماً دولياً لإنعاش الاقتصاد وتعزيز التعايش.
مخاوف الدروز الأساسية
1. غياب ردع للفصائل المتطرفة:
o عدم قدرة الحكومة على ضبط فصائل متطرفة غير منضبطة، بعضها محسوب على نظام الشرع، يُثير قلق الدروز من تكرار الاشتباكات، خاصة في قرى الحدودية.
o ضعف السيطرة الأمنية في السويداء، مع انتشار السلاح غير القانوني، يُفاقم هذه المخاوف.
2. الخطاب الطائفي وتهديد المذابح:
o يعيش الدروز في خوف يومي من تكرار مذابح الساحل (مارس 2025)، خاصة بعد تخريب المقام الديني وحرق منازل. استمرار الخطاب الطائفي المتشدد دون تدخل حكومي فعال يُشعر الدروز بأن الحكومة غير جادة في حمايتهم.
o الاعتداءات تنتهك التزامات سوريا بموجب إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الأقليات (1992)، مما يستدعي ضغط دولياً.
3. التدخل الإسرائيلي والتداعيات الإقليمية:
o تدخل إسرائيل عبر غارات جوية وبناء منشأة صحية في القنيطرة يُنظر إليه كاستغلال للوضع الدرزي، مما يُعرضهم للعزلة عن المكونات السورية.
o التجاهل الدولي لاحتياجات السويداء يُفاقم عدم الاستقرار في جنوب سوريا، مما قد يؤثر على الأمن الإقليمي.
جهود مشايخ الطائفة الدرزية ودور الشباب والنساء
1. دور الشيخ يوسف جربوع والشيخ حمود الحناوي:
o قاد الشيخان وفداً إلى أشرفية صحنايا في أوائل مايو 2025، للتفاوض وتهدئة الأجواء، مؤكدين على الوحدة الوطنية. جهودهما قللت التصعيد.
o دعما تفعيل الضابطة العدلية في السويداء، وضمان الأمن المحلي دون تدخل خارجي.
o طالبوا بالتحقيق في التسجيل المفبرك ومحاسبة المحرضين.
2. بيانات مشيخة العقل:
o في 30 أبريل 2025، أكدت أن التسجيل مفبرك، داعية إلى نبذ الطائفية وتحقيق شفاف.
o في 5 مايو 2025، حثت على ضبط النفس والدفاع السلمي.
3. دور الشباب والنساء الدروز:
o شباب دروز دافعوا عن بيوتهم في جرمانا وصحنايا واشرفية صحنايا والسويداء، لكنهم التزموا بضبط النفس. نظموا حملات توعية ضد الطائفية ووزعوا مساعدات محدودة على النازحين.
o ساهمت النساء الدرزيات في مبادرات لدعم النازحين وتعزيز التعايش، عبر توزيع مساعدات وجلسات حوار مع نساء من مكونات أخرى.
احتياجات محافظة السويداء التنموية والإغاثية والخدمية
1. الوضع الحالي:
o تعاني السويداء من نقص حاد في الخدمات الأساسية (غذاء، دواء، كهرباء، مياه)، مع انخفاض توفر الكهرباء إلى أقل من 6 ساعات يومياً.
o نزحت 406 عائلات (2055 فرداً) من ريف دمشق (جرمانا) والسويداء من بينهم، 20 عائلة تقيم لدى المجتمع المحلي.
o تسبب قطع طريق الشام-السويداء عند المطلة أدى إلى انقطاع المواد الأساسية، مما زاد الأزمة الإنسانية خصوصا كونه المعبر الوحيد للسويداء
2. تحديات الدعم الدولي:
o مساعدات دولية أُعلنت في مايو 2025 تركزت على دمشق وحلب، دون تخصيص للسويداء، مما عزز شعور الدروز بالإهمال.
o منظمات الأمم المتحدة لم تُسجل حضوراً فعالاً في السويداء منذ سقوط الأسد، بسبب تحديات لوجستية وسياسية.
3. الاحتياجات العاجلة:
o إغاثية: مواد غذائية وطبية عاجلة للنازحين، ودعم المستشفيات المحلية.
o خدمية: إعادة تأهيل البنية التحتية (كهرباء، مياه، طرق ، صيانة ابار المياه)، واستئناف ودعم التعليم.
o تنموية: مشاريع لخلق فرص عمل للشباب للحد من الهجرة وتعزيز صمود الأهالي.
التوصيات
1. الأمن والعدالة:
o دعم تفعيل الضابطة العدلية في السويداء بتمثيل درزي في المؤسسات الأمنية.
o إصدار قوانين صارمة ضد الخطاب الطائفي، ومحاسبة المتورطين في التحريض.
o إنشاء لجنة تحقيق دولية برعاية الأمم المتحدة للتحقيق في أحداث جرمانا، صحنايا، والسويداء.
o “نطالب بإطلاق سراح المعتقلين والكشف عن مصير المغيبين على خلفية هذه الأحداث الطائفية، التي اندلعت بينما كان شبابنا يدافعون عن منازلهم وأراضيهم، علماً أن الغالبية العظمى منهم من المدنيين.”
2. الدعم الإنساني والتنموي:
o فتح معبر نظامي إلى السويداء عبر الاردن لتحسين الواقع الخدمي والاقتصادي ويساهم في إخراجها من العزلة.
o تخصيص مساعدات دولية للسويداء، مع تمويل مشاريع تنموية لإعادة تأهيل البنية التحتية.
o إنشاء مركز تنسيق دولي في السويداء لتوزيع المساعدات وتنسيق التنمية.
o السماح للمنظمات دولية والهيئات الدولية بدخول السويداء دون قيود.
3. تعزيز الحوار الوطني:
o تسريع عقد مؤتمر الحوار الوطني بتمثيل عادل للدروز للوصول الى دستور مدني يحفظ حقوق الأقليات.
o دعم مبادرات حوار محلية برعاية الأمم المتحدة.
o إطلاق برنامج تدريب للشباب الدرزي في الوساطة المجتمعية.
o الاستفادة من تجارب الأمم المتحدة في لبنان لتطبيق نموذج حوار في السويداء.
4. حماية دولية:
o إنشاء آلية دولية لمراقبة حقوق الأقليات في سوريا.
o دعم العدالة الانتقالية لتعويض الضحايا وإعادة إدماج النازحين.
خاتمة
إن الوضع الدرزي في سوريا يعكس تحديات أمنية وإنسانية عميقة، تفاقمت بسبب التحريض الطائفي، ضعف الردع الحكومي، وغياب الدعم الدولي. جهود مشيخة العقل، بقيادة الشيخ يوسف جربوع والشيخ حمود الحناوي، إلى جانب مبادرات الشباب والنساء، حالت دون تصعيد أكبر، لكن استمرار التوترات يتطلب ضغط دولي عاجل.
نثق بقدرة الأمم المتحدة عبر تاريخها في حماية الأقليات، على قيادة جهود الوساطة والدعم في السويداء.
نرحب بعقد اجتماع مع وفد الأمم المتحدة لمناقشة هذه التوصيات ووضع خطة عمل فورية.
لعل أسئلة كثيرة حملتها مبعوثة الأمم المتحدة منها أصوات طلاب الجامعة الذين يصرون على العلم ومتابعة تحصيلهم العلمي، واصوات الأمهات والآباء المبحوحة حزنا على أولادهم المفقودين ورجال الدين المحتجزين لدى الإرهابيين العابثين قتلاً وتنكيلاً، وهم من خارج سورية وللأسف بعض الأصوات الرسمية تطالب بتجنيسهم بغية تنكيل بالشعب السورية، ونشر التطرف الديني بشكله الأسود.